أنجز ما تريد يا ابن آدم
رأيتُ أرضاً واسعةً فيها الحدائق والصحار، في كل مرةٍ أمشي يصيبني عطشٌ وتتوق نفسيَ للمياهِ أرى نهراً وأركضُ نحوهُ لكنه يبدو سراباً أو شتاتًا. وكل غمامةٍ، وكل جماعةٍ، فوقَ الأرضِ تحمل في طبيعتها التبددَ والفراق! في كل هذا وأنا أسمع جريَ الخيولِ ورائي وصوتَ حوافرها تدك الأرضَ تطلبني، أهرب منها وأحتمي عنها في تضاريسِ الجبالِ وخلفَ الهضابِ وفوقَ التلال.
ألم تسمع أن في الحقولِ والبساتينِ المجاورة داست وطحنت حوافرُ الساعةِ وروداً وأزهاراً ناعمةً غضةً وأطاحت أشجاراً عالية؟ نحن في ميدانِ الحياةِ الواسعة مثل نملِ النبي سليمان عليه السلام، نرى وراءنا جنوداً من الجنِّ والإنس تمشي في صفوفٍ منتظمة لكنها ليست في عدالةِ النبي وليس لنا نملةٌ تخبرنا بوقعِ حوافرِ خيولِ الجند حين يقتربونَ منا. أسرع وأخبر أخوتكَ أن يدخلوا إلى مساكنهم حتى لا تطأكم خيولُ الزمنِ وأنتم لا تشعرون بها، الساعةُ لا تنبئ أحداً أنها اقتربت.
عندما تجري خلفكَ الخيول في الحقول لا بد أن تعرف حقيقةَ الحياة، ماذا تحمل معك وماذا ترمي في رحلة الهروب. وأن تقرأ ما يكتب على شاهد قبرك قبل الهروب؟ وضعت على قبرِ المنصور بن أبي عامر رخامة نُقِش عليها الأبيات التالية:
آثارهُ تنبيك عـن أخبارهِ
حتى كأنك بالعيانِ تراه
تالله لا يـأتي الزمـانُ بمثلـهِ
أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ
هل تعرف ماذا تكتب أنتَ على شاهد قبرك أو يكتب عنك من عرفوك؟ هناك من خطوا أحاسيسهم ونبضات عقولهم على قبورهم قبل أن تنتهي رحلتهم، وإليك بعضاً منهم ليخاطبوك:
“هذا ما جناهُ أبي عليّ وما جنيت على أحد”
أبو العلاء المعري
“الشكر لمن جادَ بالأحجار لبناء مقبرتي واللعنة على من يحرك عظامي”
الشاعر وليام شكسبير
“لا تبحث عن مرقدنا بعد الوفاة إنما مقامنا في صدور العارفين من الأنام”
جلال الدين الرومي
“إن قبرًا يكفيه، ذلك الذي لم يكُن العالم بأسره يكفيه”
الإسكندر الأكبر
“هذا قبرُ فتاةٍ لم يرَ الناس منها غير اللُطف والبسمات، وفي قلبها الآلام والغصّات، قد عاشت وأحبت وتعذبت وجاهدت، ثُم قضت”
مي زيادة
………..
أنت وأنا