«الهياط» و«الطقطقة».. هل يطالان الأدب والثقافة!

تأخذنا روح النكتة وكما نسمى نحن «شعب الطقطقة»، فما إن يقع بين أيدينا شيء حتى نحوله لمادة دسمة للتندر والضحك، حتى أصبحنا نجد أن الأغلبية باتت تميل إلى هذا الجانب، حتى وإن كان ذلك على حساب الأدب والثقافة اللذان أصبحا بين أيدي الـ «مهايطية» وأصبح البعض «يهايط» بما يقرأ، وقد يحول أحدهم ذلك لكتاب من تجميعه وهو لا يفقه في الكتابة شيئًا، وبالطبع لا نتهم الجميع، أو نلقي باللائمة على أحد، ولكن ما بين «الطقطقة» و«الهياط» هل هنالك قلق فعلي من أن يتأثر النتاج الأدبي والثقافي في المنطقة بهما.

الكاتبة جمانة القصاب تحدثت عن الموضوع لـ«القطيف اليوم» بقولها: “ليس فعلًا، أظن أن لكل اتجاه (تجاري أو تجريبي أو نخبوي أو غيره) جمهوره، بالطبع لا أزال من المتعصبين الذين يصابون بالحنق الشديد جراء الإسفاف الموجود في بعض ما يُدّعى أنه كتب (وأحاول العمل على تغيير ذلك)، ولكنني مؤمنة أن التجارب الحقيقية ليست خاضعة لمثل هذه الظروف من ناحية كونها تُكتَب، القلق الوحيد والسؤال الذي يجب أن يثار: كيف يمكن أن ندعمها؟ مع أهمية أن يوجد مجتمع ثقافي يحترم حرية الفنان ليوجد نقدٌ حقيقيّ غير إقصائي، فنحن في وقت يسيطر فيه عالم السوق والتكنولوجيا فيخضع كل شيء للتسليع، لا أؤمن بإمكانية قيام صحوة، بل إن من يعي جزءًا مما يحدث سيكون ملعونًا في مثل هذا الوقت، الصحوة الثقافية تأتي بعد ترسيخ أسس الحرية ومبادئ الإصغاء، ثم بتوفير تعليم وإعلام وتنشئة ثقافية تؤمن بالاختلاف وتسعى إليه، إنها مسؤولية متكاملة”.

وأضافت مختتمة: “بالنهاية الأعمال القادرة على طرح الأسئلة، تلك لا تعترف بالمكان والزمان هي من سيكتب لها الخلود”.

أما الكاتب والشاعر رائد الجشي فأدلى بدلوه بقوله: “في الحقيقة لم أجد “هياط” و”طقطقة” في النتاج الأدبي المحلي، لكن ثمة استسهال في النشر دون عرض النتاج على أهل الخبرة، وتصحيح ما به من أخطاء، وما يشبه التوهم لدى البعض بأنه قدم نتاجًا مغايرًا عن الآخرين عن عدم اهتمام بقراءة التجارب الموجودة والمتاحة للتأكد”.

و”الجشي” لا يظن أن هنالك قلقًا متصاعدًا على الأدب هذه الفترة، فمع موجة استسهال الكتابة والطبع ثمة موجة من الصحوة والتخلص من أنساق النظم، وثمة موجة أخرى تجتهد بكل ما لديها من إمكانية لتصقل موهبتها، وهو يعتقد أن هذا الجيل يستطيع أن يقدم ما هو أفضل، خصوصًا أن إمكانية دراسة التجارب والاطلاع عليها متاح، والقراءة والدراسة أمر يسير على عكس ما كان عليه الوضع في الأجيال السابقة، لكن في الوقت نفسه يرى من السهولة بمكان أن تتبنى دور النشر مهمة “الصحوة الثقافية” لو استفادت من لجنة فاحصة إن كانت مهتمة، وإلا فإن من المفترض أن الوعي وحده بأن الكتاب إرث الكاتب الذي سيقيمه الناس المتخصصون والمتذوقون على أساسه، كفيلًا بوضع ناقد ذاتي بكل كاتب، والحقيقة التي لم يجدها “الجشي” بأنه لم يجد نقدًا محليًا مواكبًا لما هو قديم تقليدي ولما طرأ على هذا النتاج من تغيرات وتوجهات إلا ما ندر من قراءة نقدية للأسف لا تنسب إلى نقاد، وبالتالي فالنقد عزل نفسه منذ أمد بعيد مما ساهم في اتساع هذه الهوة التي يستسهل بها الكتاب الطباعة والنشر بعيدًا عن الاستفادة من آراء النقاد.

وهو يرى أن الكتب الجادة والتي سعت للاختلاف والتميز وأخضعت ذاتها لأقسى المعايير، تلك التي كانت نتاج قراءة معمقة غرضها اكتشاف الذات المغايرة وتجربة حياتية، خاصة هي التي ستبقى على مر الأزمنة، وبالتأكيد ستسقط التكرارات والنسخ المشوهة للأعمال الجيدة، وإن عبرت التاريخ فإنها ستعبرها على كونها الأعمال السيئة التي برز منها الجيد.

فيما لا يرى الشاعر مالك فتيل أن ما نشهده اليوم مقلق، وذلك لأن عملية الإنتاج الفني والأدبي تشترط منذ البدء الافتراق عن الحالات الشائعة والسائدة، فلو أخذنا المسرح مثلًا، وإن كان يتبنى قضايا الشارع إلا أنه يشترط في إنتاجه توسط لغة مفارقة عن لغة الشارع وتوسل أداة أو منهج تفكير مختلف تمامًا عن مناهج تفكير العامة، وقس على ذلك بقية الآداب والفنون.

ولكنه أيضًا يرى أن الجزم فيما سيخلد من أعمال مغامرة! فلا يمكن تحديد ما الذي سيتسرب للأجيال القادمة من نتاج هذا الجيل حسب قوله، فكل عمل أدبي يضمر داخله ادعاء بأحقيته للمرور للجيل التالي، يُعبِّرُ هذا الادعاء عن قناعة الأديب (المُنتِج الأدبي) برؤيته الخاصة، أقول قناعته وأعني “قناعته المؤقتة” فبعد حين قد يُنتج الأديب عملًا يراه الأدق في رؤيته لقضايا مجتمعه أو لذاته من عمله السابق، ورغم تغير الرؤية ومن ثم العمل الأدبي إلا أن حالة الادعاء بأحقية المرور ستبقى في ضمير كل عمل أدبي!

“ومن باب المغامرة، يمكنني القول إن العالم العربي سيتفتت في هذا الشأن، فلن تكون هناك “معلقات” عربية شاملة، بل ستكون هناك نصوص “محلية” ذات قيمة عالية، فقد تحتفظ فلسطين بمجموعة من الأعمال القيمة بالنسبة لها مختلفة عما تحتفظ بها العراق وبالتالي دول الخليج ومصر والمغرب العربي، وقد يكون التفتت على مستوى الدولة الواحدة، فقد ترى جدة أن عملًا ما ذو قيمة عالية يستحق بها المرور للجيل التالي، بينما ترى القطيف نصًا آخر، وبذا يتفاوت تقدير الأعمال بين إقليمٍ وآخر بناءً على تاريخ وثقافة وآمال كل إقليم على حدة”.

“والشاعر فتيل يرى حاجتنا بالتأكيد للصحوة لكنه يطلبها في جميع المجالات، لتكون صحوة شاملة، وكل صحوة تحتاج بلا ريب للتبني والدعم، ويبرر ذلك بسبب الوضع الراهن للوطن العربي أو الإسلامي -لا فرق كبير بينهما- فالواقع يشير أننا في حالة تراجع مقابل حالة تقدم لأمم أخرى، فأين نحن الآن مما وصلت إليه الصين وما حولها من الدول؟”.

وأضاف: “إننا نحتاج إلى الإرادة كي تتجاوز الأمم ضعفها وفقرها وتخبطها، الإرادة المقرونة بالإيمان في الحق بالحياة، على الأمم ألَّا ينفلت الأمل من بين يديها، فالأمل كائن متملص، على الأمم أن تتمسك به بكل حيطة وحذر، علينا إمعان النظر في تجربة اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك تجربة الصين وروسيا خلال العشرين سنة الماضية، علينا استلهام العبر مما مروا به من معوقات كبرى، كيف تخطوها وكيف صنعوا معاجزهم!”.

علينا أن ننظر إلى تجاربهم على أنها تجارب وإنجازات إنسانية شاملة، لنا الحق أن نأخذ منها وأن نتقدم مثلهم، كما للآخرين أن يأخذوا بعد ذلك منا وأن يتقدموا مثلنا، فالإنسان سيظل إنسانًا واحدًا، بروحٍ واحدة طيلة تاريخه.

أما الكاتبة جمانة السيهاتي فهي تبرر القلق وتجده أمرًا طبيعيًا بالفعل، ولكن القوة الأدبية تفرض نفسها بالساحة، مقابل كل عملية كتابة غير حقيقية، هناك عملية حقيقية، قائلة: “أعني رغم انتشار الكتب الفارغة من الفائدة، هناك الكثير من الكتب الممتلئة، نحن نحتاج الإعلام في الجانب الآخر فحسب، هو المسؤول عما يطفو على الساحة، فهو وإن لم يقتل الأدب الحقيقي ولكنه يتجاهله إلى حدٍ ما، بالتركيز على قوائم الأكثر مبيعًا بغض النظر عن المحتوى المُقدم، فهي عملية تسويقية، على الرغم من أن القارئ الفطن يعرف التمييز بين ما هو سيئ وجيد”.

وتقول “السيهاتي” إن “مشكلتنا تشكلت بفعل “الثقة الزائدة”، فالبعض يرفض أي نقد أو ملاحظة على أعماله، ولكن هناك من يطمح في التطوير، فأنا أعتقد أن النقد لايزال له فعالية قوية، بالنسبة لي على الأقل، لو لم أتعرض للنقد لما تقدمتُ خطوة، فما نحن بحاجته هو أن نفتح أعيننا أكثر، إلى جانب الحاجة لجهات فعّالة ولها دور إعلامي لتنتشر الأعمال المؤثرة بشكل أقوى”.


error: المحتوي محمي