كن مستمعًا واعيًا

روي عن الإمام علي (عليه السلام): “عود أذنك حسن الاستماع، ولا تصغ إلى ما لا يزيد في صلاحك” (1). وقال (عليه السلام): “إذا لم تكن عالمًا ناطقًا فكن مستمعًا واعيًا” (2).

الاستماع مهارة نفتقدها في تعاملنا مع بعضنا البعض، ربما البعض منا يستمع ولكن دون أي تفاعل مع الطرف الآخر، ويسمى هذا سماع فقط، أما المستمع الحقيقي فهو الذي يعطي اهتمامًا خاصًا وانتباهًا مقصودًا لما تلقاه من أصوات.

وقد يتحول الاستماع إلى ما هو أفضل وهو الإصغاء حيث يتفاعل مع الكلمات بكل مشاعره وهذا هو الفن المطلوب.

الاستماع مهارة الناجحين
والاستماع هو مهارة يجب أن يتقنها الجميع وأن تكون حاضرة في مختلف جوانب حياتنا لما لها من فوائد متعددة فهي:
• دليل الذكاء الاجتماعي ومن يمتلكها فهو يتمتع بمهارات التواصل الاجتماعي.

• صمام الأمان لكل العلاقات الإنسانية والاجتماعية، فهي الرابط بين أفراد الأسرة، الوالدين مع أبنائهم، الأخوة فيما بينهم، والاستماع هو قناة التفاهم بين الزوجين.

• دليل المحبة والاحترام والتقدير لمن نستمع له.

• الاستماع الفعال هو مهارة القادة الإداريين الذين يفتحون قلوبهم قبل آذانهم ويستمعون لأعضاء الفريق ويتفهمون مشاكلهم وتطلعاتهم.

• الاستماع الفعّال يبعث على الحيوية والنشاط ويعيد الثقة للطرف الآخر.

• الاستماع الفعّال هو أقصر الطرق لفهم الآخرين.

كن مستمعًا واعيًا:
لكي تكون مستمعًا جيداً وترتقي إلى مرحلة الإصغاء عليك أن تكون كسماعة الطبيب فمن خلالها يسمع الطبيب أدق تفاصيل دقات القلب والأصوات الصادرة من الرئتين والأمعاء ويقوم الطبيب الحاذق بترجمتها واكتشاف الحالة المرضية.

لكي تكون كذلك عليك أن تتحلى بمهارات فن الإصغاء مثل:
• المشاركة الوجدانية أي التعاطف مع الآخرين في فهم وجهة نظرهم.
• عدم التشتت والانتباه الجيد للحديث.
• استخدم لغة الجسد لإظهار علامة الاهتمام بحديث الطرف الآخر.
• تشجيعه على مواصلة الحديث وعدم مقاطعته، وإظهار أن حديثه مهم.
• لا تجهز الرد في نفسك وأنت تستمع للطرف الآخر، فلا تقل إن النتيجة هي (كذا).

الاستماع للقرآن.. راحة نفسية
يقول تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: آية 204].

وفي دعاء ختم القرآن عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): “جعلته نوراً نهتدي به من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه، وشفاءً لمن أنصت بفهم التصديق الى استماعه”.

إن القرآن شفاء من ناحية السكينة النفسية بحيث يجد الإنسان عند قراءته والاستماع إليه من الراحة والريحان والسرور والاطمئنان ما لا يجده في شيء آخر.

المعالجة بالاستماع
كثيرٌ هم الذين يذهبون للأطباء لكي ينفسون عما بداخلهم وليس لطلب العلاج، وعندما يجدون من يستقبلهم ويستوعب همومهم ومشاكلهم وأحزانهم ويشاركهم العواطف فإنهم يشعرون بالارتياح النفسي الكبير.

إليك هذه القصة الحقيقية التي تُرجمت إلى (فيلم) وهي تتحدث عن شاب أمريكي تحول من عامل يغسل الصحون بأحد المطاعم إلى معالج نفسي شهير، والسبب وراء ذلك يعود إلى ميزات يتمتع بها هذا الشاب، وهي (فن الإصغاء)، لقد اكتشف هذا الشاب أن عنده مهارة ذاتية، فوجد أن الكثير من زملائه وأصدقائه تُحلُّ مشاكلهم بمجرد طرحها عليه، فكان دوره في كل مرة هو: الإصغاء ولا شيء سوى الإصغاء، مع استخدام تعابير الوجه.

فلو دمعت عينا الطرف الآخر، دمعت عيناه، ولو ضحك ضحك هو.
فأخذَت تتحسَّن أحوال من يأتون إليه؛ بمجرد أن ينصت لهم وتسمَّى (الفضفضة)، ثم بعد ذلك طرأت عليه فكرة أن يكون معالجا نفسيًّا، عندها قام بتزوير شهادة (معالج نفسي)، وترك بلدته إلى بلدة أخرى؛ حتى تضبط الأمور معه، وكسب من ذلك الملايين، إلى أن اكتُشف أمرُه، ورُفعت أوراقه للمحكمة، ولكن خُفِّف عليه الحكم؛ بسبب وقفة المرضى الذين عالجهم، وشُفُوا على يده.

أخيراً لن نخسر شيئًا إن استمعنا بعمق لمن يقابلنا بل سنزداد وعيًا بالأمور من خلال معرفة زوايا وجهات النظر.

استمع كما تحب أن يستمع لك الآخرون وافتح قلبك قبل أذنك.

الهوامش:
(1) ميزان الحكمة.
(2) المصدر السابق.


error: المحتوي محمي