
لا يستطيع أحد وضع مفهوم خاص للإبداع مهما بلغ من العلم، والمعرفة؛ لأن تحديد المفهوم يعني حصر معانيه وإن امتدت، وبالتالي ضياع المعنى الحقيقي للكلمة..
وعليه؛ فالإبداع مفهوم مطاطي متجدد غير محدود، ولا كيفية، أو زمان أو مكان له، فضلًا عن أن مجالاته مطلقة..
فالمبدعون هم المبتكرون تارة، وهم المؤسسون تارة، وهم القادة تارة، وهم الناجحون تارة ، وهم الأذكياء تارة، وهم البسطاء تارة أخرى.. أحيانًا هم من كبار السن، وأحيانًا أخرى شبانًا مؤرقين بل قد يكونون أطفالًا..
ولا فوارق فعلية للإبداع من حيث الجنس؛ فالمرأة، والرجل لهما ذات المؤهلات فيه؛ كما لا يوجد سجل تاريخي عالمي يقيس نسبة المبدعين من حيث الجنس.
هناك بيئات ولادة للإبداع، وأخرى حاضنة وداعمة؛ وهناك بيئات موثقة، وأخرى ملهِمة، وغيرها ملهَمة في التعامل مع هذه الصفوة من الناس.
المبدعون أشبه بفراشات الجنة المتنقلة بين الناس.. هم ورود الحقل التي تنعش الروح والجسد لا إراديًا.. هم الجمال الذي يعشقه القلب قبل العين.. هم الطاقة الإيجابية التي تجري في دماء المجتمع ليكون نشيطًا فاعلًا.. هم الشمس المضيئة التي تشرق كل يوم؛ وينعم بفائدتها الكون بمكوناته المطلقة من أحياء وغير أحياء.
جل العقول الخلاقة المتميزة خرجت من رحم الألم، ولم تعرف للمستحيل طريقًا، وسارت واثقة الخطى لتحيل السراب ماء؛ حتى وإن عثرت أقدامها في بعض المراحل…
ومدينة القطيف تزخر بعقول إبداعية متنوعة ينبغي الالتفات إليها، والاعتناء بها لتصبح هذه الأغصان أشجارًا وارفة الظلال يعم خيرها الوطن بأسره..
حين تعطى هذه الكفاءات علمية كانت أو اجتماعية، إدارية أو قيادية، أدبية كانت أو فنية، أكاديمية أو زراعية، أو رياضية ما تستحق من المقام والمناصب تصبح أمور البلاد والعباد والمؤسسات والأنظمة والقوانين في مسارها الصحيح؛ وبالتالي تكون ثمارها يانعة تحقق الأهداف المرجوة للوطن، والمجتمع، وللبشرية بشكل عام..
هناك مبدعون توفرت لهم البيئات الحاضنة فبزغوا في مجتمعاتهم كالأقمار المنيرة؛ في حين أن هناك من هم أكثر إبداعًا ومازالوا تحت الرماد تتخطفهم الرياح وتلقي بهم كيف تشاء؛ فلا هم أفادوا، ولا استفادوا، وضاعوا في مجتمعات لا تزن الناس بمقياسها الصحيح..
جل المجتمعات المتقدمة تولي لهذه الصفوة من الناس ما يناسبها من الحواضن والمناصب؛ لذلك نجد تطورها مستمرًا، ومذهلًا، وغير محدود وعلى مختلف الأصعدة، وفي شتى المجالات..
يجب علينا الإيمان والتسليم بأن العقول متفاوتة، وملكاتها متنوعة؛ وطاقاتها متباينة، ومنها عقول استثنائية بلغت هرم المجد لمؤهلات ذاتية ومكتسبة غير طبيعية.
المجتمع الذي يحسب الذهب حديدًا، والورد حجرًا، والعسل حنظلًا لا يستحق أن يكون من الخالدين.. وعليه؛ فعلينا أن نسعى بكل السبل ألا نكون من هذه المجتمعات.
لنسمِّ الأسماء بمسمياتها، ونعطي القوس باريها، ونقدر العقول بما يليق بها، وندعمها بكل طاقاتنا المجتمعية حتى نكون في مقدمة الركب، ومن سادة الأمم..
ليكن قلب كل واحد منا بيئة حاضنة لمن يعرف من المبدعين؛ يسبغ عليه الحب، ويغدق عليه العطاء معنويًا وماديًا – إن سمح له ذلك – حتى تكون المسؤولية مجتمعية عامة؛ وكلٌ بحسبه..
أما رمي الكرة في ملعب المؤسسات، ورجال الأعمال، أو ذوي النفوذ؛ فما هو إلا تنصلًا من المسؤوليات الإنسانية تحت مبررات واهية..
أرسل عبر أثيري هذا باقة ورد محملة بكل الحب، بكل الشكر، وكل التقدير لكل إنسان التمس في نفسه الإبداع لكن القدر خذله.. ولكل مبدع علا نجمه فأصبح صرحًا من صروح الخير.
سيدي المبدع؛ مع كل نبضة قلب، ومع إشراقة شمس كل صباح.. يتجدد دعاؤنا لك بالتوفيق للمزيد من الإبداع.
سيروا واثقي الخطى مطمئنين؛ لتنالوا ما لم يخطر حتى ببالكم..