
مضى عامان على صديقي «سعود» وهو يبحث عن عمل بعدما فصل من عمله ولكن دون جدوى، بينما مضى أسبوعان على صديقي «بسيوني» دون عمل وها هو ينقل كفالته ويستحق منا الكثير من التهاني، السبب البسيط ليس هو كفاءة «بسيوني» وضعف «بسيوني»، السبب باختصار شديد هو أن نسبة عالية من المناصب العليا والقيادية في الشركات مستحوذة من غير السعوديين، حينذاك سيمتلك هؤلاء النفوذ والقوة التي تمكنهم من ترجيح «بسيوني» على «سعود»، وهذا كما اعتقده سبباً مهما من أسباب البطالة، لن تستطيع وزارة العمل خلق فرص وظيفية ذات قيمة إلا اذا اتخذت قراراً يقضي بتوطين الوظائف العليا في الشركات، أما دون ذلك فسيبقى الحال أسوء يوما بعد خر.
المتحذلق الذي سيفاجئني بالاتهام بالعنصرية ينبغي أن يعي أن الوظيفة في الوطن حق للمواطن أولاً، وأن وجود غير المواطن على رأس العمل يعني عدم قدرة مواطن على أداء مهامه، هكذا جاء النظام العمالي صريحاً حينما أورد في مادته الثالثة ذلك بوضوح، بعيداً عن ذلك فإن الحديث عن توطين أماكن الجوالات والبقالات ومحلات بيع قطع غيار السيارات لا شك مهم وله أثره الإيجابي على المجتمع، السؤال الأهم كما أراه هو: ما مصير عشرات الآلاف من الشباب والبنات المتخرجين من أفضل جامعات العالم؟، هل ستحتضن البقالات التي تم توطينها هؤلاء الشباب والشابات ؟
حتى اليوم لم يزل نظام نطاقات لا يقدم – في نسبة ليست قليلة منه – إلا سعودة الوظائف الدنيا، إحصائيات التأمينات الاجتماعية للربع الثاني من العام ٢٠١٨ تشير إلى أن ٤٥ المائة من اجمالي السعوديين المقيدين في التأمينات لا تتجاوز رواتبهم الثلاثة آلاف ريال، بعدد يصل إلى ٧٧٨ ألف مواطن، فهل هناك أبلغ من هذه الإحصائية الصادمة؟
كيف نصنع توطيناً حقيقياً؟
الجواب البسيط والبديهي هو من خلال توطين الوظائف القيادية اولاً، ثم وضع الأجر معياراً للتوطين مضافاً إلى العدد، بمعنى أن السعودي الذي راتبه ٣٠٠٠ ريال يحسب كموظف واحد، والذي راتبه ٦٠٠٠ آلاف يحسب كإثنين وهكذا، كما أن الأجنبي الذي راتبه ٢٠٠٠ يحسب كموظف، والذي راتبه ٤٠٠٠ كإثنين وهكذا، ما ستصنعه هذه المعادلة باختصار شديد هو تحفيز الشركات لتوظيف السعوديين باجور جيدة وفي مهن متوسطة ومرتفعة، والعكس صحيح في غير السعوديين، يمكن حينها أن يشكل ذلك سبباً منطقياً في التوطين الحقيقي، أما دون ذلك فسيبقى «بسيوني» هو المفضل في التوظيف وسنبارك له دائما انتقاله من شركة لأخرى، أما “سعود” فسيجتهد كثيراً للبحث عن عمل ولن يحصد في أكثر الأحيان إلا المزيد من خيبات الأمل.
سراج أبو السعود
كاتب – الرأي السعودي