أشياء ممنوعة

هل وجدتَ نفسك يومًا تكتب روايةَ عنك؟ تبحث في تفاصيلها لكنها تأتي بالجملة، وكأنه ممنوعٌ عليكَ أن تعيش فصولها في الواقع. في الروايةِ أشخاصٌ تحبهم، من هم؟ لا تعرفهم. وأشخاصٌ لا تحبهم، كأنهم كانوا أعداءَ لجدك الرابع في القرونِ السابقة ثم سرت العاطفةُ في خصائصكَ الوراثية دونَ أن تعرف لماذا. أماكنَ لم تزرها ولكنك تشتاق إليها، ممنوعٌ عليك أن تعرفَ أين تقع ولكن يشدك هذا الأين الى ذاك المكان. مدنٌ تسير في شوارعها، تستمرئ أطعمتها، تشعر فيها بالدفء والأمانِ ومدنٌ تمجهَا مثل ماءٍ مالح. أناسٌ غرزوا فيك الخناجر أو زرعوا فيك البهجة، من هم؟

الأصعب في تفاصيلِ الرواية زمانها، زمانٌ في المستقبلِ أو الحاضرِ أو الماضي تتلوى حنايا ضلوعك شوقًا إليه ولا تدري هل مَرَّ أم لم يأتِ بعد. عشتَ في ذلك الزمانِ المجهول حبكَ الأمثلَ والأجملَ والأصفى لشخصٍ لم تلتقِ به مرةً واحدة! دون سابق علمٍ تختفي كل تلك المشاعر وليس هناك من قصةٍ أو رواية ولكنها أحاسيس أرواحنا صارت مرايا تأخذنا في أوهامِ أننا نعرف أجوبةً لأسئلةٍ في حين نكون نجهل الأسئلةَ ذاتها!

تبقى في الروايةِ غريبًا عن عالمك، يشير الناسُ إليك بأصابعهم عندما يرونك، يقولون: هذا هو. هذا من أضاعَ وجهته في الحياة، صارَ أعمى وأخرسَ وأبكم. تهز رأسكَ نحوهم وتقول: نعم، أنا غريبٌ عن هذا العالم وفي هذا العالم. هي روايةُ عالميةِ الإنسان الذي يقول: أنا هو ذاك البطل، الذي لو اتسع عقله وقلبه عاشَ عوالمَ في هذا العالم. يقول جلال الدين الرومي:

أنصت إلى الناي يحكي حكايته
ومن ألمِ الفراق يبث شكايته
مذ قطعت من الغاب، والرجال والنساء لأنيني يبكون
أريد صدرًا مِزَقًا مِزَقًا برَّحه الفراق
لأبوحَ له بألم الاشتياق
فكل من قطع عن أصله
دائمًا يحن إلى زمان وصله
وهكذا غدوت مطربًا في المحافل
أشدو للسعداء، وأنوح للبائسين
وكلٌ يظن أنني له رفيق
ولكن أيًا منهم (السعداء والبائسين) لم يدرك حقيقة ما أنا فيه
لم يكن سري بعيدًا عن نواحي، ولكن
أين هي الأذن الواعية، والعين المبصرة؟
فالجسم مشتبك بالروح، والروح متغلغلة في الجسم
ولكن أنى لإنسانٍ أن يبصر تلك الروح؟
أنين الناي نار لا هواء
فلا كان من لم تضطرب في قلبه النار
نار الناي هي سورة الخمر، وحميا العشق
وهكذا كان الناي صديق من بان
وهكذا مزقت ألحانه الحجب عن أعيننا
فمن رأى مثل الناي سماً وترياقاً؟
ومن رأى مثل الناي خليلاً مشتاقاً؟
إنه يقص علينا حكاياتِ الطريق التي خضبتها الدماء
ويروي لنا أحاديثَ عشقِ المجنون
الحكمة التي يرويها، محرمة على الذين لا يعقلون،
إذ لا يشتري عذب الحديث غير الأذن الواعية

إذا طافت بك تلك الأحاسيسُ الباهتة فأنت لستَ إلا إنسان!


error: المحتوي محمي