في صباحِ يومي السبتِ والأحد لا فصولَ دراسية تحضرها، فلك أن تستيقظَ متأخراً قليلاً في الشتاءِ البارد. يرتفع النهارُ قليلاً ويطرق البابَ صبايا وصبيان يعدونك بالجنةِ والنوم في الحريرِ بعد الموت، ليس عليك سوى أن تغير دينكَ وتنضم لهم. كانت فرصةً مناسبةً لي أن أتعلم كلمةً أو أكثرَ من لغتهم الإنجليزية. دقائق قليلة يعرضون فيها بضاعتهم ثم أعرض بضاعة أبي: معارفُ قليلة وعبادات أقل ولكنها كانت تكفي أن أكونَ حراً في اعتقادي ويمتلئ صدري بهواءِ الفخر أن أبي كان بسيطاً في كل حياته سوى الدين! لم يأتِ لديني أحدٌ منهم ولكن أنا لم أذهب إليهم كذلك.
وفي أشهرِ حزيران وتموز وآب يعود الكثيرُ ممن اشتاقوا للراحةِ والوطن إلى أوطانهم ويبقى من يرغب إكمالَ بعض المقررات. كان “الدين” أحد الموادِ التي تدرس في الأشهر القليلة، وفي أوقاتِ المساء يومينِ أو ثلاثة من كل أسبوع.
عرض البروفيسور “هل” معرفته الجدلية عن الإسلام في دروسه، ومرةً أخرى صمد الدين الذي علمنيه أبي. خفتُ أن يرى “هل” تعصبي واعتذرت له عن الجدل فقال: أنا وأنت رجال، أنت ترمي مطرقةَ الجدال نحوي وأنا أردها إليك.
في كل زمانٍ تحاول الأفكارُ الساذجة سرقةَ الدين الذي علمني إياه أبي، ولكن تذهب الأفكارُ الساذجة ويبقى الدين. كان دين والدي الذي علمني إياه خليطاً من معتقداتٍ أساسية، وعباداتٍ قليلة ومعاملات، تكفي أن أعيش عليها وفي كلها كان يستغفر اللهَ والناس. علمني أنه ليس عليَّ طرقَ أبواب الناس في زخارف ولكن مخاطبةَ عقولهم في المعارف وعلمني ألا أسرقَ منهم أو أغشهم. علمني والدي أنه دونَ الأنبياءِ والأولياء، فإن البسطاءَ والضعفاءَ والمرضى يعرفون اللهَ أكثرَ من المناطقةِ وصناع السفسطة. يكفي الضعفاء أن يعرفوا أن لكل مخلوقٍ خالق يستغنون به عمن سواه.
رأسُ الحكمة أن نعلم أولادنا أن الدينَ لا يأتي في مسطرةٍ أو قلم، أو نظريةٍ وبرهان، إنما في معرفةِ ذاتهم وحينما يعرفونها نقول لهم: مرحى، الآن عرفتم الله!