القرطاس، فراغ، يحاول جاهدًا أن يفض بكارة الكلمات، لينحني باتجاه رائحته، الشهية الدفء، ليبدأ. النص، يهرب من يديه برهة، ليعود برهة أخرى، انعكاسات المشاعر، موج وضوء، رغبة وجفاء. الآن، أصابعه، تعانق يراعه الأخضر اللون، يدير طرفه ناحية بريق رمش، يشبهني، يهمس في أذنيّ.
– هل أكتب؟!
أجبته، متعجبًا: إن كنت راغبًا في الكتابة، لم لا؟!
– أنفاسي في قلق، اضطراب، ثمة ما يغري على الكتابة، وفي الضفة الأخرى، لا أقوى على انبلاج اليراع.
حدقت في عينيه، متأملاً، كأني أشعر بما ينتابه، لحظاته، يفترش على محياي وجعي، اللحظة الأولى من الفراق، حينها، قررت الانزواء في صومعتي، أقرئ الآخرين أحرفهم، أرتب ملامحهم، أزيح عن وجناتهم تلكم الشقوق، التي زرعها الزمن، قسوته، أعيش حياتهم، مقتديًا بأحرف الحكيم، الذي قال: إن الحكيم، من جمع عقول الناس في عقله. بعد جهد أراده اليراع، ليبحر، لم يستطع تخصيب أحرفه، لتصيغ جمله، تراكيبه اللفظية، معانيه، لحظاتنا فارقها، على أمل اللقاء مجددًا، لم يمنحني موعدًا، كعادته، قريبًا، أم بعيدًا، كأنما أرادها الحياة، تأخذنا بين راحتيها، هدأت العشب على البسيطة، ترابها، نعومة مائها، موعدًا آخر.
انصرف، يحيكها خطواته، كنبضات قلوب، لم تحمل في نافورة بصرها، إلا ذكريات، ليتركني أعاني تدفق الكتابة، نيابة عنه، لم تكن لدي القدرة على استشراف ذاتي، بعدما أغلقتها الأبواب، لأسدل عليها، لوني الأسود، الذي اعتراني زمنًا، منذ كنت طفلًا، شابًا، متسكعًا في الطرقات، الشوارع، زرانيق قريتنا الصغيرة، على أمل من لقاءات، تأتي عبر انتعاش الروح.
ظللت وحيدًا، أمشطها المواقف، أخلق منها معادلة رياضية، باحثًا عن قيمة المجهول “س”، أتذكر بلا رغبة كل الذين أحببتهم، الذين كانوا، من شفاههم، أقرأ قصصهم، انتعاش أفئدتهم، أمنياتهم. كنا، نلهو صغارًا، نلعب كرة القدم، الألعاب القديمة في الحارة، ملابسنا، تبدو بالية من الطين، عرق أجسادنا، وأحيانًا أخرى قطرات المطر، تمضي الأيام على رسلها، مليئة بالمفاجآت، التي لا يدركها الإنسان، لا يستوعب رسالتها، إلا بعد حين.