رحلة في أرض الحضارات مصر قد تعود بك وأنت محمل بفضول كبير حول علاقة المصري بالموت ومفهومه حوله، وهو الذي ورث من الفراعنة تاريخًا حافلًا عن الرفاة وتحضيرها للدفن وإيمانه بأن «إكرام الميت دفنه».
وفي محاولة لاستيعاب وتقبل صورة المدافن أو الترب المصرية بشموخها وعلوها وألوانها قديمها وحديثها، ومقارنتها بمدافننا المتواضعة انبثقت التساؤلات!
هل يعقل أن تكون بلاد النيل وحدها المهتمة بالموت، فماذا عن بلاد تعاقبت عليها الحضارات والديانات كـ«القطيف»، أيعقل أنها لم تفرد جزءًا من تاريخها للمدافن وكنوزها؟!
ذلك ما أخذنا للحديث مع المؤرخ عبد الرسول الغريافي الذي كشف أن مصر ليست الوحيدة التي تهتم بالموت كبداية لحياة جديدة يهيأ لها المرتحل بالاهتمام بالقبر، فثرى مدينة القطيف وإن كان ذلك قديمًا ثريٌ أيضًا بما حوى في باطنه حتى مع بقاء الكثير الكثير الذي لم يكتشف، وهي التي تعاقبت عليها الديانات والحضارات.
«الغريافي» أشار إلى أن مدافن القطيف قديمة جدًا وقد مرت عليها أديان مختلفة، وعلى الرغم من أن المقبرة الأشهر بالدبابية والموجودة للآن تغيرت ملامحها بشق الطرقات من خلالها، إلا أن هنالك مدافن تركت كما هي بعد أن جاءت أديان أخرى كالإسلام ومنها مدافن جاوان، وهناك ثلاثة مدافن تلال في تاروت، ومقبرة المعلا بالملاحة قديمة جدًا لما اكتشف فيها من آثار دفن دلموني.
وذكر أن المقابر التلالية الواقعة في تاروت لم تنقب بعد، مستذكرًا: «قبل أكثر من عشر سنين وقبل ما تتسيج من قبل هيئة الآثار كان ثلة من الأولاد يلعبون ومن ضمنهم فرد من عائلة النابود (خجعت) رجله للداخل وهو فوق التلة وأحس بشي غريب، وحين رفع رجله وأصبح يحفر بيده أخرج تمثالًا من حجر الصوان طوله تقريبًا 40 سم لجندي يحمل رمحًا في يده».
أما في سيهات فأكبر شاهد على وجود حضارات غير إسلامية هو جبل القرين الذي يحوي حفرًا تشبه القبور، فلا يمكن القول بأنها تعود للعهد الإسلامي لمواصفاتها المختلفة، فهي ليست باتجاه الشمال والجنوب بل باتجاهات مختلفة، كما أنها عريضة وقصيرة، وأغلب الأدلة تشير إلى أنها قبور من العهد الدلموني لأنها لا تسع الجثة إلا بطريقة القرفصاء، وهي الطريقة المتبعة عند الدلمونيين، وقد وجدت فوق الجبل آثار كسار فخارية منقوشة، وهي أيضًا من الطقوس المتبعة في ذلك العصر من دفن جرتين إحداهما تملأ بالماء والأخرى بالمال.
والحال نفسه في مدفن جاوان بمدينة جاوان المنقرضة الواقعة شمال شرق صفوى والتابعة لها والمعتبرة من أثرى المناطق، إذ وجدت جميع مقتنياتهم من الذهب الخالص وحتى أواني الأكل، وقد وجدوا مدفونين في جدران هذا المدفن على شكل قرفصاء.
أما المؤرخ عبد الخالق الجنبي، فأكد اهتمام السابقين بالدفن بالعثور على هيكل فتاة كانت قد دُفنت وهي ترتدي كامل زينتها من الذهب واللؤلؤ في مقابر جاوان شمال صفوى، وكذلك القبور الهلينيستية في جزيرة تاروت، والتي عثر فيها على هياكل تم حرق أجسادها كطقوس جنائزية بعد أن وُضعت في جحول فخارية كبيرة، ومقابر الظهران: وهي تُعدّ بالمئات، وقد عثر فيما تم التنقيب فيه منها على هياكل لأجساد دفنت مع بعض ممتلكاتها الثمينة.
وأشار إلى أن الهياكل الهلينيستية التي اكتشفت في مقابر الزور بتاروت كانت تتخذ وضعية القرصفاء في جحول فخارية كبيرة، وكانت محروقة مثل ما تحرق الجثث في التقاليد الهندية.
ويختلف «الجنبي» مع «الغريافي» حول العهد الذي تعود إليه تلك الهياكل، ففي حين ينسبها الأخير للدلمونيين أصحاب الحضارة التي قامت في جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية وعرفها السومريون بأرض الفردوس وأرض الخلود والحياة، يرى «الجنبي» أنها تعود للهلينيستيين الذين تواجدوا على الساحل الشرقي قبل ٣٢٤ إلى ١٠٠ سنة قبل الميلاد، منوهًا بأنه لا دلائل على كون الحفر في تل القرين هي لقبور، فضلًا عن كونها ترجع للحقبة الدلمونية، والحال كذلك في جاوان التي اكتشف ما بها من هياكل على شكل طولي.
وما بين «الجنبي» و«الغريافي» الذي ختتم حديثه بوعد أخذنا في جولة على مدافن القطيف، يبقى الأمل معقود على هيئة السياحة والآثار للالتفات للقطيف وما تحويه من كنوز يجهلها الأكثرية للفصل فيما قد تكشف عنه ونسبته للعهود التي تعاقبت عليها منذ آلاف السنين.
جبل القرين بسيهات
مدافن جاوان