يا ليتك تفهم!!

عالم أبنائنا المراهقين يختلف عن واقعنا في خصائصهم واهتماماتهم وواقعهم النفسي والاجتماعي، ولذا يجد الكثير من الآباء والأمهات صعوبة في فهم شخصية ابنه أو ابنته في هذه المرحلة الحساسة، كما أن سبل التواصل تشهد شحة في الاتصال والانسجام ويساورها التوتر في كثير من الأحيان، مما ينجم عنه مشاكل لا حصر لها، بل وتصادف الآباء فجوة عميقة في لغة التفاهم والحوار والتوجيه لأبنائهم، فطريقة تفكيرهم تأخذ صبغة التهور والتحجر والتبلد في رأي الآباء، وينشد الآباء الطرق التربوية التي تمهد الأرضية للتقارب معهم وبناء جسور التواصل معهم، ويرغبون في معرفة مفاتيح التقرب منهم وفهم شخصياتهم بأفضل الطرق.

بلا شك فإن قلة الجلوس معهم أو انعدامها يزيد من فجوة اختلاف التفكير وفهم الابن، وهذا ما يجعل آمال وتخطيط الأبناء للمستقبل وإدارة علاقاتهم تتم بطريقة نعجز عن تصور جدواها واستيعابها، والجانب الوجداني وتبادل المشاعر مع أسرته وأصدقائه وتصوره للأمان العاطفي يصعب علينا قراءته حينئذ، ويطل علينا في مشهد علاقتنا بهم التشويش بسبب التباين في فهم حدود الاستقلال والثقة بالنفس، فبينما الآباء ما زالوا يرونه صغيرًا لا يعرف مصلحته ولا يمكنهم إفساح المجال له للاختيار في علاقاته ومسار دراسته، ينظر الابن لذاك التوجيه على أنه تدخل سافر في حياته وقد تجاوز كل الخطوط، بل ويضعف إطار القوة في شخصيته، فقد كبر ويستطيع بسهولة أن يختار مساره، بل وبأكثر وضوحًا وتصويبًا من والديه لما أضافه من تجارب ومستجدات تقنية وثورة معرفية استفاد منها كثيرًا!!

ولا يمكننا التوسع في الخطوط المرفوضة في علاقتهم بأبنائهم، ولكن فرض الوصاية ورفض خيارات الأبناء لما يرونه واعتباره متمردًا عنيدًا حينئذ لا يمكن قبوله، كذلك لا ينبغي إغفال ما يمتلكه الوالدان من خبرة حياتية تفتح للمراهق آفاق تفكيره وتساعده على الاختيار الأقرب للصواب، فالاستماع لهم ونقاشهم والوصول إلى نقاط وفاق وقناعات مشتركة ينضج فكرهم الواعي، فلا يستغنون عن توجيهات وخبرات الآباء والذين اعتصرتهم الحياة وقاسوا تموجاتها، فالابن الغر يخطئ بتجاهل تجاربهم.

وكذلك يحق للأبناء التخلص من التحكم في حياتهم وتسييرهم كالجهاز الآلي بلا أدنى ممانعة لأوامر الآباء غير القابلة للنقاش، فإذا كانوا في فترة الطفولة قد قبلوا ذلك على مضض، فبالتأكيد سيرفضونه الآن.

التواصل القائم مع الأبناء المراهقين وإقامة جسور الحوار والتفاهم بهدوء هو الأساس الصحيح المثمر، فما يحتاجه الشاب والفتاة هو وجود من يقدر وجوده ويستمع إلى همومه ومشاكله، يجد في البيت من يستمع له ويسأل عنه، بما يشعره بمحيط يلقى فيه المحبة والأمان، فأجواء النقاش تجعله يبوح بما يخالجه من أفكار ومشاعر ونظرات مستقبلية، والخوف عليهم من الانحراف السلوكي والتشويش الفكري يشدنا نحو محاورتهم، فبعض البيوت لا تجد فيها تواصلًا أسريًا، إذ لكل فرد اهتمامه الخاص به، وتقل مساحة النشاطات المشتركة فضلًا عن التواصل بينهم والاستناد إليهم في الأزمات، فالتحصين الأسري من المؤثرات السلبية ذات البعد الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي تتطلب وعيًا من الآباء بمتغيرات المرحلة، وثقافة وتربية عند الأبناء تعنى بالتواصل مع الوالدين وممارسة حق الاختيار بعد التشاور وتبادل الآراء.


error: المحتوي محمي