أماه أخبريني عندما كنتُ على الأكتاف طفلًا كيف لم تُسقِطيني؟ أخبريني كيف سهرتي وأنت تُدَاويني حتى غفت عيناكِ تعبًا وأنتي تُرَاعيني؟ أخبريني كم من مهمٍ تَركتي لِتُداريني؟ أخبريني كيف كنت ترَكُضين في الزُحام بلا شعور لِتُنقذيني؟
أماه كيف تَحملتي قَسوتي؟ وكيف صَبرتي على شَقاوتي؟ كيف كنتُ همَّك وشغلك الذي انشغلتِ به عن حياتك؟ أماه كم أخذتُ من قوتك ونلتُ من حلمك وصبرك؟
أماه قد كانت عيناكِ قُبْلتي وصدركِ سَجادتي وصوتُكِ دليلي وخطواتكِ وجهتي، كُنت الملك الذي اعتلى عرش أحضَانك والمُدلل الذي نال لُطْف عنايتك، والبطل الذي فازَ بجوائز قُبْلتك.
أماه قد كنتِ أمان موطني وسَند حاجتي وبَلسم جرحي، قد كنتِ لي كل شيء إلى أن كَبِرتُ واشتد عودي، إلى أن انشغلتُ عنك بِشُغلي وابتعدتُ عن حضنك بِإرادتي إلى أن فارقتك بِخجلي وتعذرتُ منكِ بِظروفي وتثاقلتُ عليك بِعجزي.
وما كان منك إلا أن عَذرتي تقصيري ودَعَيتي لي بقضاء حاجتي، أماه ما أقسى قلبي حين جحد فضلك وتَناسى إلى أن نسي جهدك وحدد بالدَقائق قربك، اعذريني إن أشْغلتني عنكِ حاجتي. أماه اعذريني حين تمادت عليك جُرَأتي، اعذريني حين علا صوتي وقَلَّ حيائي، اعذريني إن لم تنحني لأجلك هَامتي.
أماه أخاف أن أستيقظ من غَفْلتي عنك فلا أراكِ، أخاف أن أُناديكِ بشوقٍ فلا أجدكِ، أخاف أن أبكي عليكِ بِحَسرتي مرعوباً أنادي إلهي أين أمي، إلهي أين أمي، فقد فَارقتني وازدَاد همي.
أمهاتكم أسراركم في بواطن أمركم، فيهن أنشأكم وفيهن كوّن أجزاءكم وفيهن نفخ أرواحكم وفيهن غذى أحشاءكم وفيهن أكمل أجسامكم.
بخروجكم كادت تخرج أرواحهن!
في أحضانهن احتميتم ومن أجزائهن تغذيتم وبتضحياتهن كبرتم..
أما آن الأوان لتعرفوا أسرارهن؟! أما آن الأوان لِترحموا ضعفهن؟! أما آن الأوان لتنحنوا لأقدامهن؟ أما آن الأوان لِتُبروهن ولِتحافظوا على جَنتكم.!