قيامةُ الدراويش

سأل أصحابي كيف تنجو وفي سجل كتبك ما فيه من الدعاوى يوم القيامة؟ قلت لهم: أنا وأنتم الدراويش سوف ننجو، لا تخافوا. نحن جميعًا جوالونَ في الدنيا دون متاعٍ، كيف وما للدراويش قالوا؟ قلت: لو أشعلتم الخيالَ وسمحتمْ له أن يطيرَ في التالي:

في صيفنا القائظ تشتد الحرارةُ في الظهيرة وكلنا نهرب للظلِّ والفيء متى ما قدرنا على ذلك. أنتم من الأشرافِ الأغنياء في بيتكم والغداء ينتظر والجو بارد وقهقهاتُ الصغارِ من حولكم وكأنما الدنيا في أبهجِ صورها، ثم طرقَ البابَ غريب. فتحتم الباب للغريب، ولكنه لم يكن غريبًا بل كان غريمًا، وعدوًا تبحثون عنه، عرفكم وعرفتموه. هذا الذي سلبَ النومَ من أحداقكمْ في المالِ والدم وقلتم في أنفسكم “أتتكَ بخائنٍ رجلاه”:
الآنَ قد علـقـت مخالبـنا بـه
يرجو النجاةَ ولا تحينَ مناصِ

تضاءل الغريمُ ثم قال: أنا عطشان، هلا أعطيتموني ماءً؟ رفعتم رأسكم إلى السماءِ فكانت الشمسُ في أشدِّ وهجها، أعطيتموه الماءَ، شربَ الماءَ ثم انكسر وقالَ: أنا جائعٌ فهلا أطعمتموني؟ لمَ لا، قلتم في أنفسكم: الثأر لن يمر دونَ عقابٍ والغريم هنا. أكلَ الطعامَ وقالَ: أنا أنهكني التعبُ فهلا أرحتمونيْ؟ قلتم في أنفسكم: هذا لا يطاق ولكن نم لك ساعة. نظرتم فيه وهو نائمٌ لو أردتم أن تقيدوه أو تقتلوه لم يستطع دفعكمْ، وبعدما استيقظ شكركم وقال تفضلتم عليَّ وأنا الآن مسكينٌ بين أيديكم أقر بذنبي، تستطيعون أخذ ثأركم.

زالَ الحنقُ عند كُلِّ انكسارةٍ بدت عليه وازددتم رقةً، حتى بعدما استيقظَ قلتم: كنتَ غريمًا ظننا أنه أفلتَ من العقاب، والآن قدرنا عليك فلا حساب ثم أعطيتموه كسوةً ومالًا ليرحل بسلام. أليس إذًا كلنا دراويش رُحَّل في حضرةِ الله؟ في كل دواوينِ المعاصي كنت أيقن العفوَ وأشك في العقابِ حتى ظننتُ أن الدراويشَ البسطاءَ مثلنا ليس عليهم من حساب!

مع أنه من الجهلِ والحماقة أن يكون البشر المسكونين بالعقابِ والثأر قياسًا لسعةِ رحمةِ الرب، وأنه لن يكونَ للعاصي عقابْ، لكنني سوف أسكت عند كل سؤالٍ ولن يكون لي جوابٌ سوى أنني درويشٌ لم أكفر بالله وفعلتُ كل ما دونَ ذلك واللهُ قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ ﴾.


error: المحتوي محمي