
بسم الله الرحمن الرحيم
سألني البعض قائلًا: إن هناك من المتردية والنطيحة ومن لا حظ له من العقل والعلم والفهم يقول: إنه لا يوجد دليل واضح وصريح من القرآن الكريم يفضي لحرمة الخمر، وبغض النظر عما جاء في السنة الشريفة.
ولعمري لهذا هو دأب أهل الدنيا من أصحاب الأهواء والشهوات الذين يريدون تحليل ما حرم الله، لينغمسوا بشهواتهم وملذاتهم الحيوانية في المحرمات تحت تبريرات يجتروها كالبهائم من كل مستشرق ومستغرب.
الجواب: نأتي به من قول المعصوم (صلوات الله عليه) فهو الأعلم بكتاب الله وبظواهره وبواطنه ومحكمه ومتشابهه، وما فيه من أسرار.
فقد روى الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) في الكافي الشريف. ج 6 .ص 406. باب تحريم الخمر في الكتاب: عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي – العباسي – أبا الحسن الإمام موسى الكاظم (صلوات الله عليه) عن الخمر: هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها!!
فقال له أبو الحسن (صلوات الله عليه): بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل.
فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه يا أبا الحسن؟.
فقال (صلوات الله عليه): قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (33) سورة الأعراف.
ثم قال (صلوات الله عليه) فأما قوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية.
وأما قوله عز وجل: {وَمَا بَطَنَ} يعني ما نكح من الآباء، لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه، فحرم الله عز وجل ذلك.
وأما {الإِثْمَ} فإنها الخمرة بعينها، وقد قال الله عز وجل وفي موضع آخر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} (219) سورة البقرة.
فأما {الإِثْمَ} في كتاب الله فهي الخمرة، والميسر فهي النرد والشطرنج – كما في رواية أخرى – وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى.
قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية.
قال: قلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.
قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي.
أقول: أولًا: دلالة الحرمة هو الجمع بين الآيتين الشريفتين: (33) سورة الأعراف و(219) سورة البقرة، فقال جل وعلا في الآية الأولى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ}، فعد الله سبحانه {الإِثْمَ} من المحرمات حالها حال الفواحش الظاهرة منها والباطنة.
وأوضحت الآية الثانية معنى وتفسير {الإِثْمَ} بأنه الخمر عينًا وتخصيصًا، فقال جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}، ومن ثم الجمع بين الآيتين الشريفتين يفيد هذه الحرمة الصريحة للخمر في كتاب الله.
ثانيًا: إن البعض يخدش في سند هذه الرواية فقال بضعفها، إلا أن البعض الآخر قال بوثاقتها كالمجلسي الأول الشيخ محمد تقي (قدس سره) في روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه. ج 9. ص 301.
ومن جهة أخرى، فإن النظر إلى مضامين وألفاظ هذه الرواية الشريفة يغني عن سندها.
ثالثًا: الأدلة من السنة الشريفة للمعصوم (صلوات الله عليه) متضافرة في حرمة الخمر، وهم (صلوات الله عليهم) عدل الكتاب، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.
ومن أجل الاستفادة نورد الرواية الثانية في الكافي الشريف في باب: تحريم الخمر في الكتاب، وهي رواية مرسله إلا أن مرسلها شيخ الثقات الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه)، ومن جهة أخرى: مضامينها الشرعية والعقلية تغنينا عن إشكال إرسالها، فتأمل.
يقول الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه): بعض أصحابنا مرسلًا قال: إن أول ما نزل في تحريم الخمر قول الله عز وجل:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} (219) سورة البقرة.
فلما نزلت هذه الآية أحس القوم بتحريمها وتحريم الميسر وعلموا أن الإثم مما ينبغي اجتنابه ولا يحمل الله عز وجل عليهم من كل طريق لأنه قال: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}.
ثم أنزل الله عز وجل آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة، فكانت هذه الآية أشد من الأولى وأغلظ في التحريم.
ثم ثلث بآية أخرى فكانت أغلظ من الآية الأولى والثانية وأشد فقال عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91) سورة المائدة، فأمر عز وجل باجتنابها، وفسر عللها التي لها ومن أجلها حرمها.
ثم بين الله عز وجل تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآية المذكورة المتقدمة بقوله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (33) سورة الأعراف، وقال عز وجل في الآية الأولى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (219) سورة البقرة.
ثم قال في الآية الرابعة: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (33) سورة الأعراف، فخبر الله عز وجل أن الاثم في الخمر وغيرها وأنه حرام.
وذلك أن الله عز وجل إذا أراد أن يفترض فريضة أنزلها شيئًا بعد شيء حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا إلى أمر الله عز وجل ونهيه فيها، وكان ذلك من فعل الله عز وجل على وجه التدبير فيهم أصوب وأقرب لهم إلى الاخذ بها وأقل لنفارهم منها.
رابعًا وأخيرًا: أعجبتني مقولة المهدي العباسي لعلي بن يقطين: صدقت يا رافضي.
جعلنا الله وإياكم من الرافضين لأهل الهوى والشهوة والضلال والإضلال.