مساحة بيضاء تلك التي أخط عليها أحرفي، وأنظم في سطورها كلماتي، وأملأها فرحًا وسرورًا وتفاؤلًا وإنجازًا ونجاحًا، وربما خذلتني السطور وملأتها حزنًا ومآسي وذنوبًا وإخفاقًا.
وتمضي بي وبكم السطور كما تمضي بنا الدهور، نخط على مساحة بياضها أحرفنا التي نترك بصماتها ببريق من نور تفاؤلي، مع إشراقة عام جديد.
مرت الأيام والشهور من عام 2018 ونطوي سنة، وانقضت بكل ما فيها من ذكريات الماضي التي تلاحقنا كسراب، تختلف المشاعر والأحاسيس بين البشر لما قدموه خلال العام، فمن هو راضٍ ومقتنع ما قدم، ومن هو لا يعير اهتمامًا ولا يترك أي اثر في نفسه، ومن لا ينسى الذكريات المؤلمة التي مرت عليه، ومن يذكر الايام الجميلة من أفراح ومناسبات سعيدة شارك فيها، ومن يتذكر اتراحًا مر بها وفقد قريبًا أو صديقًا، مضى به قطار الحياة وطوى الزمان صفحته.
نودع اليوم عامًا ونستقبل عامًا جديدًا، نود بكل ما نحمل معه من أفراح وأحزان ونجاحات وحروب، نودعه بثوانيه ودقائقه وساعاته وأيامه، ولا نعلم ما يحمل لنا العام الجديد، هل هي أنغام، أفراح؟ أم همسات أحزان؟ أو سراب تتلاشى فيه كل الأحلام وتسير فيه سفينة العمر تبحث عن مرسى لأمانينا بين الحطام.
وتنشغل مدن العالم في نهاية كل عام وبالذات في الليلة التي تسبق بداية العام الميلادي الجديد أو ما يطلق عليه ليلة رأس السنة، تنشغل باحتفالات صاخبة تمتد إلى ساعات فجر اليوم التالي، وبعيدًا عن الطقوس الدينية التقليدية المتبعة في هذه المناسبة، فإن الكثير من الجمهور في أنحاء العالم بتعدد أعراقهم واختلاف دياناتهم يحيون هذه المناسبة على وفق قاعدة المثل الذي يقول “حشر مع الناس عيد!!”.
والسؤال الأزلي الذي يردده بعض الفضوليين في مناسبات أعياد الميلاد وهو: لماذا يحتفل الناس بتوديع عام مضى وانتهى وغادرنا؟ هل لأنهم أضاعوا أو فقدوا عامًا من عمرهم؟ أم لأنهم يظنون خيرًا بالعام الجديد تطبيقًا للقول المأثور “تفاءلوا بالخير تجدوه”!
هناك من يبرر الاحتفالات من حزب “القوم الفرحين” بالقول: إن الإنسان بطبيعته يميل إلى التفاؤل في الحياة عسى أن يكون القادم الجديد أفضل حالًا مما سبق.
الاحتفالات التي تقام بالأعوام الجديدة على مستوى العالم هي احتفالات ضخمة دون أدنى شك، ولكن هذه الاحتفالات لن تكون لها تلك القيمة الفعلية دون أن يكون لقدوم العام الجديد وقع كبير في النفوس، فما تحتويه الدواخل أهم ممّا يظهر على التصرفات التي قد لا يتعدى كونها مشاركة ومغازلة للآخرين فقط، وفيما يلي أهمّ ما يمكن أن يستقبل به الإنسان.
ننظر إلى هذه الطقوس والمعالم بعينين دهشتين، كأننا ننظر إلى بلّورة سحرية لعالم متخيل، أو كأننا متفرّجون منسجمون في صالة عرض، نعيش أجواءه، نتداخل معه في التفاصيل دون أن نشترك به. لا يلزم أن نحتفل كي نشترك في هذا العرض الكبير الذي يعيشه العالم أجمع، بل يكفي الشعور بالحدث. الوقوف في ذلك الحد الفاصل بين عامين مختلفين. البعض يبدأ السنة الجديدة وتمر من أمامه دون أن يدرك ذلك إلا مصادفة وربما تمر أيام قبل أن يشعر بأن عامًا مضى وآخر آتى، وكأن حياته رتيبة كدائرة، لا يبدأ فيها، ولا ينتهي، ولا يتغير ولا تتغيّر خططه ورؤاه.
في بداية هذا العام لابد من تهيئة النفوس لاستقبال هذا العام بشكل إيجابي، حتى يمكن أن نحقق بعض أهدافنا في الحياة، وينبغي أن نعود أنفسنا على استخدام اللغة الإيجابية، لتحفيزها على البذل والعطاء، والبعد عن السلبية في القول والعمل، وكلما أشرقت نفس الإنسان بالتفاؤل ازداد حبه للخير والعطاء والنجاح، وارتسمت في خطاه معالم التفاؤل.
وليس المقصود بالتفاؤل؛ الركون للحياة الدنيا ووهن العزيمة، والانشغال بصغائر الأمور، ولكنه، أي التفاؤل، نظرة إيجابية نتطلع منها برضا وقناعة ذاتية، ثم التوكل على الله، وحسن الظن به، فإن حسن الظن بالله من التفاؤل، ونور يضيء في دروب المؤمن الذي لا يأمل من الله إلا كل خير.
والتفاؤل سر عظيم تتولد معه الأفكار الإيجابية، ومشاعر الرضا عن الذات، وهو طاقة استثمارية داخل النفس البشرية، يحرضها على الإبداع والنجاح، ويحدد لها المسار، وذلك بحسن الظن بالله، وتوظيف القدرات والإبداع بما ينفعها في الحياة الدنيوية التي تقودها بإذن الله إلى جنة أبدية لا يعجزها في طلبها صوت المحبطين.
لابد للإنسان أن يستقبل دائمًا العام الجديد بالأمل في الغد، وأن الغد سيكون أفضل من اليوم، وكذلك عدم اليأس، لأن اليأس يصيب حياة الإنسان بالدمار، ويبعث على الخمول وعدم النشاط وعدم الرغبة في المبادرة في التغيير، واكتساب المعارف الجديدة، وتحقيق الأحلام الخيرة، والسعي إلى ما يفيد الناس.
على كل إنسان أن يعلم جيدًا أن المكسب الذي يحققه في بداية كل عام ليس المكسب المادي بقدر ما هو الكسب لخصال جديدة حميدة، والبعد عن خصال قديمة بها قدر من السوء، ولو كان قدرًا يسيرًا. إن العام الجديد يمثل ولادة جديدة، وهي تتم حين يتخلّص الإنسان من مشاعر الحزن والألم النفسي، وينسى الماضي، ويتطلّع إلى المستقبل بنظرة يملؤها التفاؤل والأمل.
وحده الأمل، يجمعنا نتطلع إلى الأمام، يدفعنا إلى انتظار قطار الإصلاح، يشطب من ذاكرتنا الإحساس بالألم، يحررنا من السقوط في اليأس، يعيد لأرواحنا توازنها، ولأبداننا قدرتها على الحركة.
إن مناسبة بداية أي عام جديد هو فرصة جيدة لرسم ملامح المستقبل المشرق سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع. إن كل واحد منا يمل من الرتابة في كل الأمور، ويبحث دائمًا عن الجديد في هذا العام بكل ما يحمله من آمال وأحلام وفرص وتحديات، ولابد للإنسان أن يستقبل دائمًا العام الجديد بالأمل في الغد، وأن الغد سيكون أفضل من اليوم، وكذلك عدم اليأس، لأن اليأس يصيب حياة الإنسان بالدمار، ويبعث على الخمول وعدم النشاط وعدم الرغبة في المبادرة في التغيير، واكتساب المعارف الجديدة، وتحقيق الأحلام الخيرة، والسعي إلى ما يفيد الناس.
وإنني إذ استقبل معكم عامًا جديدًا، ندعو إلى سائر الأمم والشعوب أن ينعم العالم بسلام ومحبة وازدهار ورخاء، وأن يتجاوز العالم الإسلامي بالذات هذه الصعاب ويعم الأمن والأمان والرخاء في وطننا الغالي وفي جميع أرجاء العالم كافة.
وكل عام وأنتم بخير.