أمضى حارس مدرسة 25 عامًا من عمره في صناعة قراقير صيد السمك، مستغلًا وقت فراغه في لف أسلاكها وثنيها بكل مهارة، دون أن يجعل منها مصدر دخل يعتمد عليه، فهو يؤكد أن ما يربطه بصناعتها مجرد حب التعلم، ليتخذها هوايةً ترافقه منذ أن كان في العشرين من عمره.
المحاكاة تحوله حرفيًا
الحاج سعيد علي مهدي آل حبيل في الـ47 من عمره، المنحدر من منطقة سنابس، قادته مجالسة صناع القراقير أو الأقفاص المستخدمة في صيد الأسماك، إلى تعلم المهنة منذ عام 1410هـ، بعد أن كانت المراقبة طريقه لمحاكاة صناعها، ليجد نفسه بعد فترة ضمن محترفيها.
آل حبيل درس في المرحلة المتوسطة ولكنه لم يكملها، إلا أنه اتخذ من تلك الحرفة التي يشغلها منهجًا خاصًا به، لم يحتج فيه لمعلم خاص أو مدرب محدد، يقول لـ«القطيف اليوم»: “تعلمت حرفة صناعة القراقير من خلال مجالسة صناعها؛ فكنت أطالعهم وأتعلم منهم”.
ويضيف: “أحببت صناعتها كهواية فأحببت أن أشتغلها، وقد بدأت في مزاولتها منذ أكثر من 25 عامًا”.
ليست مصدر دخل والسعر متفاوت
الحرفي سعيد الذي يشارك حاليًا في أضخم مهرجان تراثي على مستوى المملكة “الجنادرية 33″، لم يوقف تلك الصناعة كمصدر دخل خاص به، فهو حسب كلامه لا يعمل بها بشكل دائم، ولكنه يشارك بها في المهرجانات.
وعن الأسعار أشار إلى أنها تبدأ من 20 ريالًا فما فوق، مبينًا أن السعر الأعلى لا يبنى على الحجم الأكبر للقرقور وإنما على الأصعب، وقال: “نحن لا نشتغل في أكبر قرقور نحن نشتغل في أصعب قرقور وهو ما يسمى طبجة جمبار أو صاخوب الشال، حيث تكون فتحاته صغيرة ويصل سعره إلى 200 ريال”.
ساعات العمل
يوضح أن ساعات العمل متفاوتة على حسب الحجم؛ فالقرقور المتوسط الذي يستخدمه البحارة يأخذ 4 ساعات متواصلة، والقرقور الكبير الذي يستخدم في اللانشات أو السفن يأخذ من يومين إلى 4 أيام، أما الصغيرة فتأخذ من ساعة إلى 4 ساعات.
ذاكرة
آل حبيل يعود بذاكرته إلى أول قرقور صنعه، ذلك الذي أنتجته يداه بعد أن أمضى وقتًا يتابع بعينيه كيفية صناعته، مختلسًا النظر ناحية أيدي من يجالسهم من الحرفيين وهي ترفع الأسلاك الرقيقة وتثنيها ثم تهبط بها من جديد لتنتج به قفصًا يشبه نصف الدائرة في شكله الخارجي، بفتحات عديدة لا يعرف سر قربها أو بعدها إلا من تمرس هذه الحرفة، يقول الحاج سعيد: “كان أول قرقور صنعته ما يسمى بـ”أبو فكين”، وهو يستخدم في صيد الصافي، وهذا النوع من القراقير هو الأشهر تصنيعًا في المنطقة”.
ويواصل سرد ذكرياته: “في الماضي كان الإقبال على شرائها ممتازًا جدًا، سيما أن الكثير من أهل المنطقة يعملون في الصيد، أما الآن فأصبحنا نصنعها للمهرجانات أكثر من تصنيعها للاستخدام الحقيقي لها، وإن كان ذلك غير معدوم إلا أنه ليس بتلك الكثرة كما في الماضي”.
ويتابع: “كنا سابقًا نعمل بعض القراقير من سعف النخيل، وهذا قديم جدًا، أما الآن فاعتمادنا الأساسي على الأسلاك في صناعتها”، منوهًا إلى أنها لا تحتاج للكثير من الأدوات فيكفي أن تمتلك أسلاكًا رقيقة وزرادية لتنتج قرقورًا.
غادروها
كأي حرفة قديمة هجرها أهل المنطقة أو شارفوا على هجرانها كليًا، حرفة آل حبيل، ذلك الحرفي الذي أمضى قرابة نصف عمره بالقرب من حرفة لم تجعله من ذوات الأملاك، إلا أنها تملأه سعادة في ساعات ممارستها.. الحاج سعيد يعتبر واحدًا من بين حرفيين لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة في منطقته مازالوا متمسكين بهوايتهم القديمة، ومن أولئك حسب ما يذكر لنا: الحاج إبراهيم المسيري والحاج إبراهيم الدبيسي، مضيفًا أن غالبية أصحاب هذه المهنة توفوا.
ويضيف متحسرًا على صناعته التي عشقها: “أرى أنه لا أحد يرغب في الشغلة كما في السابق، فالناس لم يعد لديها وقت بعد أن انشغلت بالأجهزة وغيرها، فلم يعد هناك إقبال على العمل”.
مواسم
ربما هذه القراقير رغم جمودها إلا أنها مرتبطة بالحياة، وتلك الحياة هي ما يحدد لها موسم انتعاش في طلبها؛ يبين الحاج سعيد أن الطلب عليها يكثر في مواسم أيام الصيد، وخلال مشاركته في المهرجانات، أما بقية أيام السنة فإنها تدخل حالة الركود.
مشاركات.. والطلبات الخارجية تتصدر
أشهر المهرجانات التي شارك فيها آل حبيل هي؛ الجنادرية ومهرجانات في الكويت ومشاركات في جمعية القطيف ومهرجان الدوخلة.
وعن الإقبال على شرائها خلال مشاركاته يؤكد أن الطلب في المشاركات خارج القطيف يكون أكثر، سيما في دول الخليج مثل الكويت فإن الإقبال فيها أكبر.
وعن كيفية التوفيق بين عمله في المدرسة وعمل القراقير قال: “أعمل في أيام العطلات فقط، وأشارك في المهرجانات بإرسال خطاب للمدرسة كي أتفرغ خلال المهرجان، كما أنني أزاول المهنة في وقت الفراغ في البيت، وباقي العمل أنتجه في المهرجانات عندما أشارك بها”.
وفي سؤال أخير؛ هل تريد أن يتعلم أحدهم هذه المهنة منك؟ أجاب بحسرة أخرى: صعب، صعب جدًا، فالحياة تغيرت كثيرًا، ولم يعد هناك فراغ، وإذا وجدتموني محافظًا على هذه المهنة فذلك سببه أنني أحببتها واتخذت منها هواية أزاولها وقت فراغي.