القطيف.. بإبرة وصوف آل سالم تحول الصور إلى دمى

لا يلام الأطفال وحتى الكبار حين تستوقفهم بدهشة دمى نُسجت بدقة عالية، فباتت الغرز فيها كخلايا صغيرة تكوّن أجساد شخصياتها، وقد تدهش أكثر حين تعرف أن هذا النسيج لم يكن حياكة آلية، لا.. بل هو نتاج إبرةٍ وخيط حاكته يدٍ ماهرة، متمرسةً في تلك الصناعة للحد الذي جعلها تستطيع تحويل صورتك الخاصة إلى دمية صوفية من دمى الأميجورومي.

تلك الدمى على اختلاف أشكالها فن برعت في حياكته مريم آل سالم، واحدة ممن جعلن الإبرة والصوف مصدر رزق لهن.

آل سالم تروي لـ«القطيف اليوم» حكايتها من أين كانت البداية وكيف تحولت إلى مدربة في هذا المجال تقدم دوراتها الخاصة وتشارك به في عدة معارض.

الأساس
كثير من الأمهات يتقنّ فن الزراعة في أبنائهن، وحين تكون الزراعة في وقت مبكر فإن الثمر يغدو مباركًا، وهذا ما تباركت به أعمال “آل سالم” حين تعلمت من أمها الكروشيه كأساس، من الإمساك بالسنارة والتعامل مع الغرز والحياكة بالصوف، ليتطور مستواها مع السنين وتتعامل مع الخيوط الدقيقة.

بداية التحدي
البدايات تشهد دائمًا عثرات مع الفشل، وتحرض قوى التحدي الكامنة بالنفس البشرية لتستنهضها على القيام بقوة أكبر، وهذا ما أثبته حديث “مريم” حين قالت: “درست بجامعة الملك سعود بالرياض في تخصص الكيمياء الحيوية، وتخرجت وتقدمت إلى وظيفة ولكن لم يحالفني الحظ فيها، فقررت أن أشغل وقت فراغي بشيء مفيد وجميل وممتع، فتعلمت الكروشيه، وكانت بدايتي على النول، وصنعت أول “لفاف” وحينها سعدت سعادة لا توصف”.

وأضافت: “وبعدها أحببت أن أتعمق في هذا العلم الجميل، فحاولت أن أصنع قبعة ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل، ومن هنا بدأت التحدي والصراع مع نفسي، وأثناء المحاولات والعمل اكتشفت عالم الأميجورومي (باليابانية: 編みぐるみ) وهو فن الكروشيه الياباني في حياكة دمى على شكل حيوانات مجسمة صغيرة الحجم داخلها حشو، والكلمة مشتقة من مزيج بين كلمة “أمي” اليابانية ومعناها كروشيه أو التريكو، وكلمة “جورومي” وتعني دمية محشوة”، مضيفة: “لقد أعجبت بهذا الفن أكثر من اللفافات والقبعات فاعتمدته”.

عمل لا يقدر بثمن
وعن مشوار مشروعها تحدثت “مريم”: “في البداية عملت أشياءً بسيطة بباترونات موجودة بالإنترنت وكنت أعملها لنفسي ولبنتي الصغيرة كهواية فقط في وقت الفراغ، وبعدها قررت فتح حساب على تطبيق إنستجرام لأضع فيه صورًا لعملي تخليدًا للذكرى، وأصبح لديَّ متابعون طلبوا مني شراء ما أعرضه، وكنت في قرارة نفسي أرى أن هذا العمل اليدوي لا يقدر بثمن، فرفضت الفكرة، ولكن من كثرة إلحاحهم علي في الطلب فقد راجعت نفسي وقررت أن أبيع ما أصنعه – والحمد لله – فقد أصبح لديَّ مبيعات وإقبال على أعمالي”.

وواصلت حديثها: “لقد تطورت بشكل ملحوظ؛ بتشجيع من عائلتي وخاصة أمي، والآن أصبحت أستطيع عمل باترونات بنفسي، وأصبح بإمكاني خياطة شخصيات كرتونية أو حقيقية – بإذن الله حسب الطلب”.

وذكرت مريم أنها عندما بدأت في هذا العمل لم يكن هناك من يعمله وقتها، ولكن الآن فيوجد الكثير ممن يعمل بهذا الفن الجميل، وقالت: “إنني أتخذ أمي وأختي قدوة لي فكلنا نشجع بعضنا حيث نعمل نفس العمل، وأختي مارية هي التي تصور منتجاتي”.

الصعوبات
أما عن الصعوبات التي واجهتها؛ فقالت: “الصعوبات التي تواجهني أو الصعوبات في عمل الكروشيه بشكل عام هي أن العمل يأخذ وقتًا طويلًا جدًا، فإذا كان العمل حجمه كبير فإنه يستغرق من الوقت من أسبوعين إلى شهر، بالإضافة إلى أنني أستخدم خيطًا رفيعًا (دقيق)، وهذا الخيط ينتج عملًا حجمه صغير، والناس تطلب أحجامًا كبيرة وهذا الخيط لا يساعدني، فالحل؛ إما أن أكبّر الخيط وفي هذه الحالة لن تعجبني النتيجة، أو أن أشتغل شغلًا مضاعفًا لأصل للحجم المطلوب، وهذا يأخذ وقتًا أكثر وجهدًا أكبر”.

وتابعت: “الحمد لله هناك إقبال على أعمالي، من الذين يقدّرون الأشغال اليدوية ومنهم من يشتري ويعود مرة أخرى ليطلب طلبًا جديدًا”، مضيفة: “أما بالنسبة للسلبيات فالحمد لله المعنويات عالية لكن ربما يضايقني من يقول إن الأسعار غالية، ولكن ليس الجميع يفعل ذلك بل على العكس فهناك من يقول إن العمل يستحق أكثر من السعر المطلوب، فتصعد كل المعنويات للأعلى مرة أخرى”.

بين الإنجاز والطموح
وأشارت مريم إلى أنها تعمل في صناعة الدمى منذ خمس سنوات، وأنها شاركت في عدة معارض مثل “مشروعي” و”صنعتي” و”ليالي الشرقية”، وتم طلبها بدولة الكويت، حيث كانت لديها رغبة بالمشاركة خارج السعودية لكن الظروف لم تسمح لها بذلك.

ولم تكتف مريم بذلك إذ تقول: “أعطيت دورات تعليمية في فن الأميجورومي على عدة مستويات؛ الأول والثاني والثالث، وحصلت على شهادة تدريب مدربين لأكون مدربة معتمدة، والآن أحاول حضور دورات أون لاين على مستوى العالم”.

وعن طموحها قالت: “طموحي يكمن في تأليف كتاب لتعليم الأميجورومي، وأن يصبح لدي محل لأبيع فيه المنتجات وأدواتها داخل وخارج المملكة”.

الختام بموقف طريف
هناك مواقف طريفة ومحرجة قد تصادف أي عامل بأي مجال، وهنا روت مريم أنها ذات مرة من المرات كانت مشاركة في مهرجان “مشروعي”، وكانت هناك طفلة تجيء وتروح على ركنها وعيناها كأنها قلوب – بتعبيرنا – من الإعجاب بالدمى المعروضة فيه، وكانت الطفلة تتمنى أن تمتلك دمية منها، وقضت تلك الليلة ذاهبة وآتية على الركن، ففهمت مريم أنها ليس لديها ولا ريال واحد، فقالت: “كسرت بخاطري وقلت لها بالعامية “خلاص غناتي ويش اللي عاجبك؟” لكنها ضربت على الوتر الثقيل فاختارت دمية بسريرها بالبطانية مع المخدة، فقلت لها: خذيها وهذا الكارت موجود به رقمي وحسابي على تطبيق إنستجرام وتستطيعين أن تتواصلي معي في أي وقت وتدفعي لاحقًا”، فكانت سعادتها لا توصف وشكرتني شكرًا كبيرًا، وقالت ببراءتها: “خلاص بس أوصل البيت بخلي بابا يجيبني لبيتكم وبدفع”، وعقبت مريم بعاميتها القطيفية ممازحة: “ولليوم ساحبة علي”.


error: المحتوي محمي