نعيش رهن تقلباتها ونواكبُ تغيرات مسارها ونراقبُ بشغفٍ أقدارها حيث لا يدوم فيها حال ولا يَثبتُ فيها ما نظن أنهُ محال إلا حقيقةٌ خُطت وخبرٌ مضى وزمنٌ ولى.
رغم تَخبطاتنا فيها ورغم زَلات أقدامنا فمازلنا نملك الأفضل، ومازلنا نَحُوز على ما يُقدمنا دون توقف ويَرفعنا إلى الأعلى لنكون سادة المخلوقات، فما منحنا خالقنا يكفينا لنكون في أعلى المراتب ونَصل إلى أرفع الدرجات.
البعض منا أصبح لا يَرى جواهر نفسه ولا ينشغل بِمضامين قدرته ولا يُبحر في معرفة نفسه ولا يلجُ في سر عمقه ولا يبحثُ عن بزوغ شمسه التي تضيء دروب حياته.
لذلك تراه ينشغلُ بغيره ويعتقدُ أن حياة الآخرين أفضل من حياته وقدرتهم أعلى من قدرته وظُروفهم أفضل من مُعطَياته، فيتسيدُ الفقرُ أفكاره وتحجبُ الغفلةُ عنه روعة أملاكه فيندبُ حظه بجهل وينصبُ لحَسرته العزاء لِيبكي على هموم نفسه.
إلى أن تتعالى زفرات آهاته وتنكمشُ حبال آماله، وتَتضاءل هِمَّةُ نفسه ظنًا منه أنه عاجز، فيتَمحور حول بُؤس نصيبه ويتمركزَ في ضيق آفاقه إلى أن يتلاشى نور بقائه.
والمضحك أنه ربما في المقابل هناك من يريدون الوصول لِمقامه وهنالك من يعتقدون أن حياته هو أفضل من حياتهم!
لكن السؤال هنا لماذا؟!
اعتقادهم ناتج عن الولوج في المفقود وعدم الاكتفاء بالموجود، فطبيعة النفس تميلُ إلى أن تملك المفقود وتُكمل الناقص غير الموجود.
وذاك الاعتقاد جميل لأن فيه سعيًا لإكمال ما هو ناقص والله سبحانه وتعالى يُحب العبد الذي يسعى بالحلال في أرضه.
لكن ما يجعل هذا الاعتقاد يفقد بريقه وروعة جماله هو عدم الرضا بالموجود وعدم الاستفادة منه للوصول إلى القمة ونيل الغاية.
لذلك ما أجمل أن نملك الاثنين؛ أن نرضى ونقتنع بما هو موجود وأن نسعى بعزمٍ وصدقٍ ونوايا حسنة لِنصل إلى كل ما نحتاج من مفقود فقد خُلقنا لنسعى للوصول إلى الاكتمال.
لذا لابد ألا نكتفي بالرضا وحده دون السعي الحلال فالمواكبة والتطور والتقدم لابد منهم في زمن المتغيرات.
أعلم أنَّ حياة الآخرين ليست أفضل من حياتك.. أنت فقط تحتاج أن تحرك السكون من حولك وتَنفض الغبار عن نفسك، وسع دائرة محيطك لترى ما لم تكن تراه.
إنَّ أكثر ما نحتاجه هو قريبٌ لم نره جيدًا.