لي صاحبٌ حكيمٌ يعرفُ من أسرارِ الحياةِ الكثيرَ وتسكر النفوسُ من خمرِ عاطفته، سألتُ صاحبي هذا: ما هو سر دوام بهجتكَ مع زوجك وأنتَ الذي مرَّ عليهِ زمنٌ طويلٌ، انحنى فيه عودك، وشابَ شعرك وكأنك لم تملَّ الحياة؟ فقال لي: انظر إليَّ بعقلكَ وسوفَ تعرف السر، هل دخلتَ في شراكةِ عملٍ قط؟ قلتُ له: نعم ولكن لم أكسب منها الكثيرَ من المالِ ولم يسق الشركاءُ شجرتها فماتت!
قال لي: إذا كنتم اثنان في الشراكةِ كم تدفعانِ من رأسِ المالِ والجهد؟ لم تستغرق إجابتي طويلًا فقلت له: أنا أدفع خمسينَ من المئة وهو يدفع الباقي، وأنا أجلس ساعةً ثم يجلس هو أخرى، بمعنى أن الشراكةَ مناصفةً بيننا. استغرقُ الحكيمُ في فكرهِ وقالَ: هذه وصفة الموتِ في كل العلاقاتِ وأخصها بينكَ وبين زوجك!
تتطلب شركةُ الحياةِ أن يدفعَ الرجلُ والمرأةُ مئةً من المئة من رأسِ المالِ والجهد، إذ تطلب الحياةُ أن يدفع كل منهما كاملَ المبلغ والوقت أو تذبلَ شجرةُ الحبِّ والزواج. تُلقي الحياةُ بثقلها على ظهورنا وتقول لنا: احملوها فإن حملناها وحدنا ننوءُ بحملها وإن تقاسمنا ثقلها حملناها. مجمل الشركاتِ في العالمِ تقوم على احتسابِ النصفِ في الداخلِ والخارج، اثنان يدفع كُلٌّ منهما نصفَ المبلغ ويحصل على نصفِ الربح، إلا شركةَ الزواج، كل فردٍ يدفع فيها كاملَ المالِ والجهد ويحصل على كاملِ البهجةِ والفرح من صافي الأرباح. لم يفت صاحبي أن يذكرني أنَّ المالَ ليس إلا رمزًا لما يدخل في الشركةِ من عناصرِ الديمومة وأنا من عليهِ أن يعمل من أجله!
إذًا، أيها الحكيم: ماذا يفشل الشركة ويغلق بابها؟ قال أحدُ خيانتين، خيانةُ الحب والفراش، خيانةُ الحب التي يديرَ فيها الشريكُ ظهرهُ ويقول: شخصٌ واحدٌ يكفي وليس هذا لي، أنا عندي من المتاعبِ ما يكفيني، بعدها يبحث الشريكُ عن البهجةِ والفرح والراحة في شيءٍ آخر وتغلق الشركةُ أبوابها عندما يبحث أحدُ الشريكين عن ثالث يدخل في الشراكة.
تظمأ الروحُ ويظمأ الجسد ويبحث البشرُ عن آخرينَ من أجلِ أن يطفئوا عطشَ أرواحَهم من الحب وأجسادَهم من الرغبة، وحينما تصعب الحياةُ عليهم كأنَّ التعبَ في البحثِ عن توأمِ الروحِ لم يكن إلا سحابةً جمعتها رياحُ الجنوبِ وفرقتها رياحُ الشمال! اختر من شئتَ أن تمشي معه دروبَ الحياة ولا تتقاسم حمل الطريق، احمله أنت كله وهو يحمله كله. وإن أغراكَ الشيطانُ أن تلقي الحمل تذكر كيف كنتما تشربانِ نخبَ الحب ولم تكن الحياةُ تريكمَا إلا وجهها المشرق.
“السعادة هي أن تُحِبَّ وتُحَبّْ”، مثل طيورِ الحب التي لها عقلُ طائرٍ وقلب متيم يملؤهُ الغرام، إن تنظر إليها سوف تعرف لماذا يسمون عشاقَ مملكةِ الطيور! إذ تنفش الإناثُ ريشها لجذب الذكر وتعبر عن اهتمامها به، ثم يرقصان، ويخدشانِ بعضهما، ويميلان برأسيهما، وبعدها تحبه ويحبها طول الحياة، يموتُ إن ماتت وتموت إن مات.
أليس بربك هكذا يبدأ عشاقُ البشرِ حياتهم “وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري”، ولأنهم بشرٌ تختلف النهاية!