يوم الثامن عشر من شهر كانونِ الأول ديسمبر، هو اليومُ العالمي للغةِ العربية. كتبتُ لك عنوانينِ هما “إن الكَلامَ كِلامُ” و”كأنما نوحُ الحَمام حِمامُ” وكلاهما لندخل معًا بهوَ اللغةِ العربية، التي يتكلمها أكثر من 422 مليون نسمة ويتكلمهَا جزئيًا مئاتُ الملايينِ من المسلمينَ غير العرب. كل عام وأنتِ بخير، أيها السامية، يا لغةَ الحبِّ والسلام، يا لغةَ محمدٍ (ص) والقرآن.
ليس لغةٌ تنقاد لناطقهَا وترخيهِ العنانَ في القواعدِ والجمالِ مثل اللغةِ العربيةِ التي لا تزال تملك القلوبَ متى ما سمعناها عذراءَ في الشعرِ والأدبِ والفلسفةِ والعلوم، حتى مع طغيانِ اللغاتِ الأخرى في التقنياتِ الحديثة. من يتكلم اللغةَ العربيةَ يستطيع نطقَ أي مفردةٍ من اللغاتِ الأخرى وليس العكس لتعدد مخارجِ الحروف العربية.
إذا كنت طالبًا أو مختصًا أو عاملًا فعليكَ إجادةَ لغةِ الدراسةِ أو العمل، فهي من سوف يجعل فهمك للدروسِ سهلًا. ما يصعب في الرياضياتِ أو الفيزياء ليس المعادلات الجافة من السينِ والصادِ والعديد من المتغيرات، لكن ما يصعب هو فهمُ السؤالِ الذي منه نحيل الكلماتِ إلى معادلاتٍ رياضية يمكن حلها. أنا أقولُ لك أعطني طالبًا يفهم اللغةَ جيدًا سوف أعطيكَ طالبًا ممتازًا، وأعطني حِرَفيًا يفهم اللغةَ وسوف أعطيكَ حرفيًا ماهرًا، وهكذا تكون اللغةُ في كُلِّ الحياة ولا يهم أيَّ لغةٍ كانت. في حياتنا نتعلم ونعمل بلغاتٍ أخرى ولكن يبقى الحب لِلِّغَةِ التي هدهدتنا الأمُّ بألحانها في المهد، نغفو على روائعها، وفي ذكرى العربية نقول لها:
لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ
أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِــلُ
يَعْلَمْنَ ذاكَ ومـا عَلِمـْتِ وإنّمَـا
أوْلاكُما يُبْكَـى عـَلَيـْهِ العـاقـِلُ
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَـرْفـُهُ
فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القـاتِـلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِـنْـدَهُ
مـن كُـلّ تـابِعـَةٍ خَيـالٌ خـاذِلُ
علموا أولادكم اللغةَ والنحوَ والأدبَ والبلاغة، يبدعون في مدارسهم وأعمالهم ،وإذا علمتموهم لغةً أخرى فليتقنوا فنونها، إذْ في كل لغاتٍ البشر مذاقٌ لا يوجد في غيرها من التاريخِ والحضارةِ والعلومِ والسياسة. تسود اللغاتُ عندما تسود أقوامها ومثل كل شيءٍ لا يستثني التاريخُ اللغةَ من التداولِ في الانخفاضِ والارتفاع، لكنَّ الصدى بين الضلوعِ والعاطفة والانجذاب نحو الثمانية وعشرينَ حرفًا من العربيةِ لا يشمله قانون التداول! هل تستطيع لغةٌ في العالم أن تضيء هذه الشعلة من التنهدات في الحب؟
بكيتُ على سربِ القطا إذ مررنَ بي
فقُلتُ ومثلـي بالبُكـاء جَـديـرُ
أسِرْبَ القَطا هَل من مُعيرٍ جَنـاحَـهُ
لعلّي إلى من قَد هَوِيتُ أطيرُ
وأي قطاة لم تعرني جناحهـا
فعاشَتْ بضَيرٍ والجَناحُ كَسِيرُ
وإلاّ فَمَنْ هـذا يُـؤدِّي تَحِيّـة ً
فأشكرهُ إن المـحب شكـورُ
شكرًا لك أيتها العربية وتحيةً لمن ينطقكِ ويحبك! وهبك اللهُ جمالًا لم يستسلم ولم يضعف أمام اللغاتِ الأخرى، أنتِ فيك قرآنُ محمد وزبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى.