عند القيام بإرجاع أو تغيير عداد السرعة للسيارة التي نريد بيعها من خمسين ألف كيلومتر – مثلًا – إلى عشرين ألف كيلومتر، فإن ذلك يعد غشًا ومخاتلة ومماذقة للمشتري إذا لم نوضح له حقيقة الأمر، وإلا فإنه غش واضح لا مرية فيه.
هناك حالة لو تم تغيير العدّاد فيها وإرجاعه ثلاثمائة شهر – وليس كيلومترًا – إلى الوراء وصولًا إلى درجة الصفر كبداية لانطلاقة جديدة وبروح تفاؤلية ملؤها التحدي والإصرار والعزيمة وعودة من الهبوط في منحنى سيجموند إلى الصعود والارتقاء، وتحقيق نجاحات جديدة، وإحراز طموحات لم يسعفها ذلك الزمن ذي الثلاثمائة، فلا أظن أن هذه الحالة ستكون محل اعتراض أو شبهة، بل ستكون حالة إيجابية رائعة تقبلها النفس وتسعد بها، ويرتضيها المجتمع ويأنس بها.
خلال تلك الحقبة الزمنية والتي ناهزت الربع قرن حققنا إنجازات ومشاريع وأفكار، وحدثت لنا إحباطات وخيبات وهزائم، لكننا صممنا على المضي قدمًا ولم نستسلم ولم نتوقف، بل واصلنا المسير ثقة منا في العلي القدير.
واستمر العطاء وتواصل، حتى وصلنا إلى نهاية المدة التي أصبحت الكرة فيها في ملعبنا، والقرار بأيدينا، وكل ما في الأمر ورقة وقلم ودقيقة، وتنتهي بعدها هذه الحقبة الزمنية، ولكن ماذا بعد؟!
لحظة تمناها الجميع، وانتظرتها النفوس التواقة إلى الحرية والانطلاق والتخلص من قيود المهنة ومتطلباتها، وعندما حانت اللحظة وتأكدت وتجسدت أمامنا، بدأنا نتأمل ونفكر وندقق ونقول:
هل هذه حقًا هي اللحظة المنشودة؟!
هل حان وقت الرحيل؟!
أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟!
وتدور الأسئلة بمختلف صيغ الاستفهام، لترسم لنا وقفات ومحطات، ويبدأ العقل حالة من الصراع، حتى ينقسم إلى عقول شتى، تتجاذب الحوارات فيما بينها، تثور النقاشات تارة، وتهدأ أخرى، حالة أشبه ما تكون بالتيه والضياع!
من الواضح والمؤكد أن هذه الحالة تدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن ما بعد هذا القرار لم يكن يوجد شيء، فقط أرض قاحلة مظلمة لا نورًا فيها ولا رؤية ولا هدفًا.
إذًا لِمَ كل تلك اللهفة للوصول إلى تلك اللحظة؟!
إننا في واقع الأمر كنّا نظن أن الأمرَ محسومٌ، وأن القرارَ سهلٌ وسهلٌ جدًا، ولكن يبدو أننا كنا مخطئين!
نكتشف أننا لم نخطط لما بعد تنفيذ القرار، وأن كل خططنا كانت مجرد أفكار في عقولنا، وكانت تتبدل وتتغير كل عام تبعًا لتبدل أحوالنا.
من المؤسف أن نقول: إننا كنّا نجري في هذا المضمار بنسق وترتيب معين، وكان كل شيء واضح أمامنا، هناك خطوط وخطط وأنوار ساطعة وبشر، وفِي نهاية المطاف، وعند خط النهاية نقف عند باب موصد منقوش عليه: لقد أكملت رحلة الـ300 شهر.
ولكن هل جربنا فتح ذلك الباب المغلق؛ كي نرى ما وراءه؟!
هل جَرّبْنَا أن نخطط لـ300 شهر جديدة؟!
هل جَرّبْنَا أن (نُصَفِّر العدّاد)؟!
تصفير العدّاد هنا، قد يكون بداية لمدة زمنية جديدة في نفس المضمار، ولكن بروح جديدة وَنَفَسٍ جديد يتسم بالحيوية والتفاؤل والطموح وكأننا عدنا من خط البداية، بداية بِكْر، وما لم يتم تحقيقه في خمس وعشرين سنة ربما يتحقق في سنة، فالبيئات والشخوص والقناعات تتغير وتتبدل وتتحول، والخبرات والمواقف والتجارب تساند وتساعد وتذلل الصعوبات؛ حتى تتحقق النجاحات والانتصارات.
وقد يكون تصفير العدّاد في مضمار آخر من مضامير الحياة – وَيَا لكثرتها وتنوعها -.
ونستطيع فيه تحقيق ذواتنا من خلال خطط أعددناها سلفًا وربما جربنا بعضًا منها سابقًا.
وفِي الختام أقول:
متى ستصفّر العدّاد؟!