التدين والتناقض في الأخلاقيات

توجد علاقة متناقضة اليوم في بعض المجتمعات المحافظة، حيث تجد فيها مظاهر التدين بين الناس، ولكن للأسف في الجهة المقابلة تجد الفساد والممارسات اللاأخلاقية واللامبدأية بينهم!

ما هي مسببات العلاقة المتناقضة بين الفساد والتدين في المجتمعات إذ أن المنطق يقول: إن العلاقة بين الفساد والتدين يفترض أن تكون عكسية، فالورع الذي يرافق الرجل المتدين يفترض أن يُحنن القلب ويرسخ القيم والمبادئ الأخلاقية لديه، والإيمان الذي جزاؤه الجنة ونعيمها اللامحدود، والنار بعذابها الشديد يجب أن يكون مانعًا في نفس المتدين من الإقدام على الأعمال اللاأخلاقية البسيطة ناهيك عن كبائرها.

للعقل البشري قدرة عجيبة انتقائية عند التعامل مع مفردات الحياة اليومية، قدرة تمكنه من التبرير لنفسه أمرًا ما هو راغب فيه، ويكون سداً بين نفسه وتناقضاتها، فتراه يلتف حول الشرع عله يجد طريقًا أو مبررًا لأفعاله التي يرغب في الوصول إليها، وما أكثر الذين يلتفون حول الشرع اليوم لكسب المال ولتمرير أفعالهم التي تتناقض مع القيم والمبادئ.

في جلساتي اليومية مع الأصدقاء بدأ أحدهم لي بالحديث عن الممارسات اللاأخلاقية في المجتمع، والتي ضحاياها بعض الأرامل والمطلقات اللواتي يواجهن تجارب قاسية ومحنًا شديدة، فأطماع الرجال حولهن ترشقهن بسهامهم فتوقعهن صرعى يلفظن أنفاسهن، وآخر ما تبقى من كرامتهن، وحريتهن، وجمالهن، وإحساسهن بإنسانيتهن!

فسألته ألا يخافون الله في هذا الأمر؟ وكان رده لي حرفياً هو: “وما علاقة الله بهذا الموضوع؟” بدا رده صادقًا وتلقائيًا، حيث إنه قطع كل الصلات بين فعلهم الملتوي وقيمته الأخلاقية، فبدا أن مهمتهم تجاه الخالق مقتصرة بالنسبة لهم على تقييم العبادات “مدى صحة وضوئهم وإخلاص صلاتهم” أما محاربة النفس عما تهوى وطلب التمتع بالنساء باستغلال بعض الأرامل والمطلقات في المجتمع، وكذلك التمتع بالنساء في الدول الأخرى المنكوبة باستغلال حالة الفقر والتشرد بسبب الحروب في بلدانهن، فلم يكن للخوف من الخالق في كل ذلك دور واضح أو دخل مباشر!

إن كثيرًا من الناس في المجتمع يتوهمون بأنّ كلَّ من صلى وحج وصام فهو مسلم قد استكمل معنى الإسلام، وأنّ الدين هو الصلاة، والحج، والصيام فقط! لكن الحقيقة أن المسلمُ هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمنُ هو من أمِنه الناس على أموالهم وأعراضهم، أي أن الصفة الصادقة في المؤمن ليست صلاته، ولا حجه، ولا صيامه فقط بالرغم من أهمية ذلك في الإسلام، لكن الصفة الصادقة تكمن في أخلاقه، وصدقه، وأمانته، وعفته، ونظافة قلبه من الأمراض الاجتماعية.

الكثير من الناس سيكتشفون أنهم مخدوعون لكن بعد فوات الأوان وهو أن التدين عند بعض الناس قد يكون غطاء لإيهامهم ولتمرير أعمال لا أخلاقية مِمَنْ يتغطى به في المجتمع، فلا توجد في الحقيقة صكوك جاهزة تقضي بكون أمة ما متدينة وأخرى غير متدينة، وإنما هناك إيمان وعمل صالح جزاؤهما الجنة أو النار قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

خلاصة القول هي: إن البشر الذين نتعامل معهم كل يوم مهما اختلفت أعراقهم وأجناسهم لديهم الاستعداد لارتكاب أفعال شنيعة لو أُتيحت لهم الفرصة، طالما ليس لديهم ضمير أو رادع إيماني داخلي يمنعهم عن ذلك، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.


error: المحتوي محمي