قِياسُ المُعَزِّزَات

في علم النفس السلوكي؛ التَّعزيز هو عملية تدعيم السُّلوك المناسب، أو زيادة احتمالات تكراره في المستقبل، بإضافة مثيرات إيجابية أو إزالة مثيرات سلبية بعد حدوثه.

ويقصد بـ”السلوك المناسب” هو السلوك المرغوب فيه، مثل أداء صلاة الفجر في وقتها (قبل طلوع الشمس)، وبـ”زيادة احتمالات تكراره في المستقبل” أي الالتزام بهذا السلوك على طول الخط، وليس لمرة أو مرات فحسب، ويراد بـ”مثيرات إيجابية” هو أية مكافأة مناسبة تدفع المستهدَف للالتزام بهذا السلوك، سواء كانت (المكافأة) مادية: تقديم وجبة يحبها في مطعم، أو هدية تلبي رغباته، أم معنوية: شكره أو الدعاء له أو الربت على كتفيه أو معانقته أو الثناء عليه أمام الآخرين.

ويأتي التَّعزيز أسلوبًا تربويًا نافعًا ليكون أداة بيد المربين.. إن مجردَ النُّصح والإرشاد لا يكفي لكي يسيرَ الطفل/ المراهق على الجادة، كما أن العنفَ بنوعيه: اللفظي والجسدي لا يُصحِّحُ سلوكًا ولا يُقوِّمُ معوَجًّا، بل لا بد من أدوات تربوية، ومنها أسلوب التَّعزيز بنوعيه: الإيجابي والسلبي.

كل إنسان يسعى يوميًا إلى ما يرغب فيه، في مأكله ومشربه وملبسه وهواياته، لا يمكن إكراهه على شيء من ذلك، وإذا ما صادف شيئًا خلاف رغباته صدَّ عنه ظاهرًا وباطنًا، فإن قُدِّم له طعام لا يهواه تركه، أو أكل شيئًا منه على مَضَضٍ.

لذا، وحتى لا يكون التَّعزيز عشوائيًا وعبثيًا، لا بد من اختيار المعزِّز المناسب الذي يشبع رغبات المستهدف ويثير حماسه لكي يصل إلى الهدف التربوي؛ ومن هنا تأتي هذه المقالة لتتناول مفردة مهمة من مفردات التَّعزيز، وهي قياس المُعَزِّزَات.

ماذا نقصد بقياس المُعَزِّزَات؟

هي طريقة/ طُرق يمكن استخدامها من قِبل المعلِّمين/ الآباء/ والمربين على وجه العموم، لتحديد العناصر والأنشطة والأحداث التي يرغب فيها الطالب/ الابن؛ وتحقق رغباته، وبالتالي يشكِّل الحصول عليها دافعًا لتحقيق قيمة مرغوبة من قبل المعلِّم والمربي، كأن يزيد تحصيله العلمي أو يحقق تعديلًا في سلوكه غير المرغوب فيه؛ وعليه، فإن كل عنصر ونشاط وحدث لا يلبي رغبات المستهدف فهو ليس بمعزِّز، وإن كان في ذاته أمرًا جميلًا ورائعًا!

إن التَّعزيز ينبغي أن يكون:
1- لذات الشخص المعزَّز لا لغيره، وإن كان هذا الأخيرُ قريبًا منه وعزيزًا عليه.
مثال:
يُعطى الطالبُ المستهدف خلاطًا كهربائيًا لكي تستفيد منه والدته في المنزل؛ هذا تعزيز للأم وليس للابن!

2- يناسب مرحلته العمرية، فلا تكون أقل من عمره، ولا أزيد:
· “الآيباد” لمن عمره سنتان، لا يشكل معزِّزا، بل هو ترف وخطأ تربوي.
· الألعاب البلاستيكية للمراهق، لا تشكل دافعًا لديه، وربما يهزأ بها؛ وعليه فإن هذا ضياع للمال الذي صُرف في غير محله.

إن الدُّمى للبنات في مرحلة ما قبل المدرسة، والساعة اليدوية لطفل ذي عشر سنوات مثلًا، يشكل تعزيزًا مؤثرًا.

3- يتوافق مع اهتماماته وميوله، وهذه تختلف من شخص إلى آخر، وإن كانا في نفس العمر.

4- لا يَضرُّه، أو يُلحق ضررًا بالآخرين:
· سيارة لمراهق ذي ثلاث عشرة سنة (مثلًا)، فهذا -بالإضافة إلى مخالفته لأنظمة المرور- فإنه يشكِّل خطرًا على حياته وعلى حياة الآخرين وممتلكاتهم.
· الحلوى (بكثرة)، خصوصًا للأطفال في المرحلة الابتدائية.

وحتى يمكننا اختيار المعزز المناسب؛ فعلينا أن نقوم بإجراء تقييم تقويمي للحالة المستهدفة، ففي بعض الأحيان نجد صعوبة في تحديد ما هو محفِّز للطلاب خصوصًا للأطفال الصغار، وبالتحديد للحالات المشخصة بطيف التوحد.

إن تقييم التَّعزيز يوفر فرصًا للمعلِّم/ الأب لجمع المعلومات الكافية وتحديد المُعَزِّزَات المناسبة بناءً على اختيار الطالب/ الابن، أو معرفة ميوله، ويمكن الوصول للمعزِّز المناسب بالتالي:

1- الملاحظة الذاتية، بمراقبة الطالب/ الابن، في البيئة الطبيعية التي يتحرك فيها، في ساحة المدرسة أو في المنزل…، وهذا يحتاج إلى مجهود مضاعف.

2- التجربة، بإعطائه معزِّزات متنوعة والوصول إلى المعزِّز المناسب نتيجة تفاعله معه ورغبته فيه.

3- مقابلة الطالب، أو مَن يعرفه (والده/والدته،…)، والسؤال المباشر عمَّا يرغب فيه.

4- تصميم استبانة تحتوي على أسماء معزِّزات محتملة، وتوزيعها على مستوى المدرسة لمعرفة اتجاهات الطلاب بوجه عام تجاه المُعَزِّزَات العينية، ومن ثَمَّ البناء عليها.

عزيزي الأب، أخي المربي، زميلي المعلِّم: إن عنايتَك بهذا الأمر توصلُك إلى أهدافِكَ التَّربوية بطريقةٍ أسهل؛ لأن التَّعزيز العشوائي إذا كان ماديًّا فهو هدر للمال، وإذا كان معنويًّا فهو ضياع للجهد، من دون أن تحقق النتائج المرجوة، والأهم هو مضي الوقت وتفاقم المشاكل السلوكية والتعليمية من دون تغيير يُذكر.


error: المحتوي محمي