البعض يراه طلاسمَ لا تُحَل والبعض يراه حريةً لا تُمس، منهم من يراه فرض قوة ومنهم من يراه تأخُّر حضارة.
منهم من وصفه بالسجن تحت رحمة غطاء ومنهم من حاكَمه بإعاقة للحركة ومنْع للحرية وبالعيب في هيئته والحد من هيبته.
منهم من أسقط قيمته وشككَ في وظيفته، منهم من أعلن الحرب على وجهته وغَيَّر بالهوى اتجاه قِبْلته.
هاجَموه بجهل معرفتهم وبقصور فهمهم لقيمته، اعتقدوا أنه مجرد لباسٍ مظلمٍ خانقٍ يُلوّنه السواد…
الحجاب أكبر من أن يكون لباسًا أو سوادًا بل هو ما يَحول بين شيء وآخر ويمنع ظهوره ويحمي من بلوغ السوء وذاك لا يكفي ظاهر الأشياء دون باطنها.. لذلك كان الحجاب الخارجي وحده لا يكفي لتحقيق غاية الحجاب القرآني ولا للوصول لهَدفه المفروض لأجْله!
الحجاب هو الحاجز المانع الحامي للذات البشريه عن الأهواء الشيطانية والرغبات الحيوانية غير المتزنة.
بمعنى أدق.. الحجاب الخارجي وحده لا يكفي لبلوغ الغاية وتحقيق الهدف فلا بد من الحجاب الداخلي معه وهو أن نرتدي الحياء ونتزين بالعفةِ والاحتشام في باطننا.
إن لم يجتمع الحجابان معاً وُجِدَ النقص في اكتماله وخُفيت أسرار مَقامه.
فكم من عباءةٍ شرعية خلفها بلاء وكم من عباءةٍ مُظِله تحتها رداء، لذلك لن تتحقق القيمة إلا في اندماج الحِجابين معًا لِيُكْملا بعضهما البعض.
لذا كان لابد من أن تعلموا أبناءكم أن الحجاب ثقافة حفظٍ وحمايه قبل أن يكون ثقافة لباسٍ وأناقة، علموهم أن خلف كل فرض تقبع رحمة وخلف كل تحذيرٍ ووعيد تكمنُ محنة.
علموهم أن من رحمة خالقهم أنه شرع لهم حُجبًا تمنعهم من السقوط في الزلل وتَحميهم من الوقوع في العِلل وتبعد عنهم ما يؤذي وتُقربهم إلى ما يُنجي.
علِّموهم أنه حين خَلق هذه النسمات مَنَحها قلوبًا رقيقة ولمساتٍ أنيقة فرض عليهن ما يحميهن مما قد يسيء لهن وما يُغرر بهنّ لأنه يَعلم أنّهُنّ سيكُنّ محط أنظارٍ وشَهوات منحرفة وقِبلةً للنفوس الدنيئة والرغبات المحرمة.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ..
خلَقنا الله وجَعلنا مخيَّرين في أرضه ولسنا بمُسيَّرين وأَلْهَم أنفسنا فجورها وتقواها، فكلما كان حجابنا الداخلي قويًا وحجابنا الخارجي متينًا نصل إلى قِيمة وجُوده الحقيقية وننال منافعه الخفية.
منحنا حق الاختيار فحقَّ علينا أن نختار أن نكون الأفضل فيما مُنحنا.
لابد أن يكون حِجابنا نابعًا من داخلنا بقناعتنا وبِرضى أنفسنا لكي لا نحول عنه ولا نزول.