في حلقته الأولى.. «المفهوم الثقافي» تحت مجهر «آفاق» الحميدي

وضع الكاتب والناقد الأدبي محمد الحميدي المفهوم الثقافي والفني (الأفق) تحت المجهر في الحلقة الأولى من برنامجه “آفاق ثقافية”، معرفًا إياه في لغته النقدية التأملية، ليضع المتلقي أمام استشراف للمعنى، الذي من خلاله يستطيع قراءة العمل الأدبي.

وعرف الآفاق في اللغة؛ بكونها جمع كلمة الأفق، وهي موضع الالتقاء بين شيئين بعيدين، والرؤية المتصلة بالبعد، حيث لا يكون الأفق أفقًا إلا إذا كان بعيدًا.

وتابع تعريفه اصطلاحًا؛ بكونه مأخوذًا من النظرية البنائية، أو البنيوية، وهي النظرية السابقة على التفكيكية، التي كانت موجودة إلى منتصف القرن العشرين، أو بعده بقليل، متناولة أنواعًا عديدة للأفق، أبرزها ثلاثة، تتعلق بالقارئ، أو المتلقي، وهي: أفق الاحتمال وأفق الانتظار وأفق التوقع، منوهًا إلى أن الأشهر من بينها؛ أفق التوقع.

وبين أن أفق الانتظار يقصد به أن تتواتر الأحداث في العمل الفني وصولًا إلى مرحلة الصراع، والعقدة، ثم تقديم الحلول، مؤكدًا أن جميع هذه المراحل يكون القارئ فيها بمثابة المنتظر للحدث القادم، وقال: “لا حياة للنص الأدبي دون قارئه، فهو الذي يهبه الحياة والوجود، فعندما تحدث مشكلة في رواية من الروايات، أو حدث من الأحداث، يظل القارئ منتظرًا لما سيأتي بعدها، وهنا تتفتق ذهنيته عن مجموعة من الحلول قبل أن يكمل القراءة، ويكتشف الحقيقة، وهو ما ندعوه بأفق الاحتمال”.

وذكر أن أفق الاحتمال يشار به إلى مجموعة الحلول الممكنة للحدث، التي تدور في ذهن القارئ، ويظل يفتش عنها في ثنايا ما يقرأ إلى أن يجدها، أو يجد بعضها، أو يجد على الأقل الحلول، التي يفرزها الكاتب.

وأشار إلى أن هذه الحلول التي تتراوح بين الكاتب والقارئ ربما لا تكون بينها علاقة وثيقة، فقد يستخدم الكاتب الإجبار على بعض شخصياته للقيام بتصرفات غير منطقية، أو التلفظ بألفاظ لا تتناسب مع مستواها الاجتماعي، أو العلمي.

واستطرد بقوله: “ولكن يظل الاحتمال قائمًا على كل حال، فقد تدهشنا إحدى الشخصيات بالثقافة والمعرفة، التي تمتلكها، بينما شخصية أخرى، يُنتظر منها الكثير تُخيب آمال قارئيها”.

وعن أفق التوقع، أوضح أنه يشار به إلى الحل الذي يضعه الكاتب في ذهن القارئ، بحيث يظل القارئ يلاحق هذا الحل حتى نهاية العمل الأدبي، ليتأكد من أن الكاتب صادق في دعواه ومن الأمثلة عليها ما يحدث في بعض المسرحيات، أو الروايات، أو الأشعار، خصوصًا الأسطورية منها، حيث تفتتح بتنبؤ معين، وهذا التنبؤ، يقود العمل الفني من بدايته إلى نهايته.

وبين أن تسمية آفاق ثقافية، تأتي من الآفاق الثلاثة، الانتظار والاحتمال والتوقع؛ فأفق الانتظار يقود ويؤدي إلى أفق الاحتمال، وهما معًا يؤديان إلى أفق التوقع.

ونوه إلى أنه تأتي المرحلة الأخيرة، وهي اكتشاف الهدف والرؤية في العمل الفني الأدبي؛ كون القدر قوة قاهرة لا يمكن الفرار منها، وهذه القراءة وإن كانت لم ترد نصًا إلا أن الأحداث، تشير إليها، مما يعني أن هنالك نقطة مجهولة لم تصلها النظرية البنائية، وهذه النقطة، هي الأفق الثقافي، الذي يستطيع قراءة المخفي بين الأسطر، والقادر على فهم الأحداث وربطها بعضها ببعض، وإن بدت متباعدة، أو لا علاقة بينها.

وذكر أن الأفق الثقافي أفق معرفي يتوصل إليه الإنسان عبر استقرائه لمجمل العمل، أو الحدث، سواء كان أدبيًا، أم فنيًا، أم علميًا، ثم محاولة توظيفه ضمن واقعه الحياتي.

وشدد على أن المعرفة وحدها لا تكفي، بل ينبغي أن تقترن بالتأمل والتفكير واستخراج العبر، وهو ما نحاوله في هذه الحلقات المسلسلة.

لمشاهدة الحلقة: https://youtu.be/ODVo734U0rk


error: المحتوي محمي