لا تحاجج قلبك حين تتباعد في روحك زوايا الاستياء العارمة، فتضطرب تضاريس عقلك كأنها محور الأرض.. تظل تعيش حيرتك بذهول غارق، تستغيث لتجمع شتاتك..
فأن تستقر في أعماق حديث طويل ينقذك من غياهب الظل في شواهد مجروحة تنازعك ألف نرجسية مريضة.. أو تجامل حتى تمتلئ بالتخمة فتصرخ فزعًا من قبح ما تجد..
المحبة جمال لا ينطفئ، جمال كالنور لمن عرفها.. جمال حقيقي يتقد داخلك في تصرفات حقيقية بعيدة عن التزييف والمداراة.. جمال يصنعك من حيث نسيت نفسك، يرفعك حين تحطك الأيام وتتوالى الانكسارات والهزائم حولك فترقص عليك خيباتك.. ولا تملك دفعها سوى بالحب الذي أضعته..
لست وحدك من تسربله قصيدة الحزن والأشياء التائهة في منتصف الطريق.. لست وحدك تتلمس العطايا حين تعود من رحلة إبحار عميق في ساحة الحياة برفقة أصدقاء وأحبة متخاذلين، لتكتشف أنها على غير ما تشتهي.. جاءتك، قاسية، مجحفة، وكثيرة الإرباك، وفارغة تمامًا من المعنى ومليئة بالخذلان، تتكشف فيها سوء النوايا وتتساقط وجوه لطالما عنونتها بالحب، فتدرك حقيقة التزييف فيها.
الله لم يخلقنا بقلوب خاوية، فقد ألبس أرواحنا أطواق النجاة في الحب.. وحين نتقن أن نحب نصبح في حال أفضل.. نصبح كقصائد فرحة مليئة بالعافية، معانيها حالمة ، تزداد أجراس الفرح فيها كلما قرئت بصوت مرتفع.
الحب كالنور حين يتعلق بزوايا الصوت والنغم ونترنم بعطره فنعرف كم بخستنا الحياة كل معانيها الراقية حين أفقدتنا بوصلتها.. فتزايدت المزايدات لتنتقص من قدرها.
يشتكي الناس جحود بعضهم ليجدوا أنفسهم مشتركين في جزء بل وكل من هذا الجحود الأسود، الذي ينتظر حلول البياض وخصب النماء بلا مجهود حقيقي للتغيير.. ويصبحون صناعة كاذبة مليئة بالتزييف..
والمزيفون يربكون حقيقة الأشياء ويشوهون جمال الصورة.. يصبحون كالدخلاء في ترديد شعارات الإنسانية واقتحام عناوين السلام.. لكنهم عاجزون عن إحداث التغيير فيها..
وكلما حاولت أن تمارس قناعاتك كلما كانت للمشقة التي تجدها متعة مختلفة.. قليلون من يدركون هذا فيكفون عن إرضاء الناس والخضوع لقوانينهم بأن يتحرروا من رأيهم الذي يضيع مستوى الحقيقة وينتقص من إخصاب الحب في قلوبهم لتكتمل مشهدية الحياة في أبهى صورة..
لن تعنيك حينها الأجزاء المهملة وأنت ترتب تفاصيل الصورة لأنك تبتغي إيجاد سكينة بحجم مزاج عالٍ يدغدغ أمنيات السلام..
السلام الذي فُقد في الأرض من زمن بل وأزمان سحيقة، منذ أن غاب الناس عن أجمل المعاني واختلفوا في التقاطها كما يختلفون في ملء الفراغات لمعاني الصدق والأمانة والمحبة المفقودة، وعصرتهم أوجاع الأرض الخالية منه.. فاشغلت الناس بافتعال الحروب في كل مكان.. الحروب النفسية المليئة بالحسد والتشاحن وتفنن الإيذاء وخلق سبل العداوات والاستهزاء، وحروب الروح المجهدة المستهلكة لأمنياتنا المفقودة، وحروب الدماء النازفة على قارعة الإنسانية المهملة في بقاع الأرض..
السلام الذي جاء به نبي رحيم، متشحة روحة بالبياض، مبرء من العيوب مليء بالنقاء، تشع رحمته بخفقات حب مخصبة النماء.. أذهلت روحه البشرية، فصلت عليه ملائكة السماء..
نبي الرحمة الذي طهر الروح، وعلمنا كيف نتصالح مع أنفسنا وهذا والكون معًا.. دحرت رحمته وعطاياه أوجاع البشر بأخلاق بيضاء امتدحها رب السماء بخلق رفيع فقال له: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾..
في ميلاد نبي الرحمة وآخر الرُسل محمد (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) أخرسوا حقول الشر والبغضاء في دواخلكم، واستشعروا رحمة الرحمن فيكم، وطهروها بالحب والنقاء، فما لكم سوى محمد نبي الرحمة طوق نجاة، تسألون الله به الخلاص من تفاصيل أوجاعكم وأمراضكم وشفاء صدور اعتلتها الحياة بالسقم، فلم تعد تتنفس الخير كما هو، لأنها أضاعت طريقه.