
يتبادر إلى الذهن مباشرة أن المهنة معناها هو الوسيلة إلى التكسب، والحصول على الأجر مقابل العمل، أو الربح مقابل البيع.
وهذا الكلام في عمومه صحيح، وهو ما يحقق الحد الأدنى من الرضا بين طرفي المعادلة في حالة الوظيفة، وكذلك الرضا الشخصي في حالة المهنة الحرة.
غير أن هذا لا يكفي إذا ما أردنا أن نسبغ على المعنى سبغة عملية تتوافق والصفات الإنسانية القويمة، إضافة إلى الثوابت المتمثلة في مجموعة السلوكيات والآداب والقواعد الأساسية التي جبل عليها الإنسان، وتوافقت مع النواميس المرسلة، والقواعد الموضوعة.
إن هذا الإنسان بطبعه يميل إلى الإجادة بالمطلق العام للوصول للجودة التي يطلبها، وهذا ما يعني بمعناه المعاصر؛ الحرفية المهنية، والتي تجعل من المهنة حرفة إبداعية تستند إلى الدقة والإخلاص والإنجاز المتفوق، والذي ينشد طرفا المعادلة الوصول إليه استراتيجيًا على المدى القريب والبعيد، وهو الذي نطلق عليه مهنية المهنة.
إذًا يجب على الممتهن إن كان يريد الوصول لدرجة الرضا الشخصي والعام، وإلى الارتقاء بمهنته إلى المثالية الوظيفية أن يتبع الأسس المنطقية المتمثلة في السلوك والآداب والأخلاق، والمأخوذة أساسًا من النظم والسنن والأعراف والقوانين والتي لا يتبدل مضمونها الأساس، وإن زيدت أو نقصت تماشيًا مع الظروف والمتغيرات.
غير أن ما نلحظه في البعض من المهن وممتهنيها هو أداء الحد الأدنى من متطلبات الوظيفة، وخاصة من أولئك الذين يحصلون على الحد الثابت من العائد الكسبي، أو الذين لا يوجد لدى جهة عملهم معايير لتقييم الأداء، من أجل زيادة أجورهم، وهم في الحقيقة قلة، لأن الغالب في الوظائف سواء الحكومية أو الخاصة وجود هذه المعايير، ولربما يلحظ الأداء الروتيني هنا بسبب ثبات التقييم عند معايير معينة لا ترضي الطموح الذي ينشده منتسبو الوظائف.
إن الحافز الأساس الذي يجعل الموظف يبدع في أداء وظيفته هو تقديره والثناء عليه وشكره، ولا يكون ذلك إلا من خلال مكافأته، وذلك بزيادة دخله المادي أولًا، وثانيًا بترقيته إلى ما يستحق، استنادًا إلى العدالة وعدم التمييز، والبعد عن الاعتبارات الشخصية، أو الدينية أو المذهبية أو الفئوية والعصبية، وكل هذه المعوقات تفسد الأجواء الوظيفية، وتعطل الحركة الديناميكية، وتفسد العلاقات بين الموظفين وبعضهم، فضلًا عن فقدان الثقة بين الرؤساء ومرؤوسيهم، مما يؤدي في النهاية بالمنظمة أو الشركة أو المؤسسة إلى التراجع في الأداء المهني وفقدان المهنية، فيسبب الانهيار، ومن ثم الإغلاق والاختفاء من الساحة العملية نهائيًا.
يجب أن تزرع الثقة بين طرفي المهنة لنحصل على المهنية الاحترافية، ولا يكون ذلك من دون إنصاف وعدالة، ولكي يتحقق السقف الأعلى من الطموح على المعنيين البحث عن الرضا المتبادل، كيف؟ هو ببساطة: أن يبحث الرئيس عن كيفية إرضاء مرؤوسيه، وكذلك المرؤوسون العمل على إرضاء مرؤوسيهم بالدقة والشكل المطلوب، وهو أمر في متناول اليد متى ما توافق الطرفان على المصالح المشتركة بينهما، للوصول بالمنظومة إلى مراحل تحقيق النجاح، وحصاد الأهداف.