عيادة المريض

الإسلام دين المحبة، دين الرحمة، تعاليمه شاملة لكل احتياجات حياتنا، العبادية، والتجارية، والاجتماعية، وما يصلحنا في آخرتنا ودنيانا، يدعو لمكارم الأخلاق والفضائل، ومنها عيادة – زيارة – المرضى. وقد شدد عليها لما لها وبها من دور نفسي واجتماعي وشفائي للمريض وأجر وثواب للزائر.. حتى قال بعض العلماء بوجوبها، ولا أقول إنها من المستحبات المؤكدة؛ لأنها تدل على الأخوة والوحدة، وشعور بما يُؤلم الآخرين، وكان النبي محمد وآله (ع) شديدي الحرص على زيارة المرضى، ولطف الحديث معهم، وإن كانوا معادين…

وفي هذا المقال نستعرض آداب الزيارة والأخطاء المصاحبة لها:
أولا: من آدابها التقيد بوقت الزيارة في المستشفى أو خارجه؛ فالمستشفى يحدد مواعيد الزيارة ولكن بعضنا تكون عنده فرصة الدخول في غير وقتها فيستغلها ويزور المريض، والأخير غير متهيئ لاستقبال الزوار إما لعدم توقعه، أو لأنه وقت راحته، وقد يكون عنده الطبيب، ودَور تنظيف وتغيير له… والنتيجة أنه يأتيه في وقت حرج.. بدلًا من إدخال السعادة عليه، وهو القصد من الزيارة؛ يدخل عليه الضيق منها.

وفي البيت أيضًا المريض يُحدد له وقتًا على الزائر أن يلتزم به وألا يطيل الجلوس عنده أو خارج الوقت المحدد لنهايتها.. ولكن البعض لا يدير بالًا لهذا فينتهي الوقت وكأن الأمر لا يعنيه، من حديث لآخر، وما جرت العادة عندنا والشفافية أن نقول له تفضل وأخرج انتهى الوقت، فعلينا أن نتنبه من غير أن نَحرج أو نُحرج، والمريض على أحر من الجمر في انتظار خروج مَن عنده ليتناول طعامه ويأخذ علاجة، وله خصوصيات أخرى مع أهله، وأُغلق الباب إيذانًا بانتهائها والخلود للراحة. وإذا بطارق يستأذن للدخول أو يهاتف المريض أنا عند بابك، ويصر على الدخول إن مانعوه.. بزيارتك هذه زدت من معاناته، وخالفت آدابها…

ثانيًا: المريض كما هو محتاج للعلاج الطبي للتعافي مما هو فيه فهو محتاج أيضًا لعلاج إلهي… محتاج للصدقة التي تحفظ النفس والأهل، وتدفع البلاء وتشفي من السُقم: “داووا مرضاكم بالصدقة” فبدلًا من إحضار بعض الزوار ورودًا وحلويات للمريض في المستشفى أو البيت؛ يتصدقون عنه بقيمتها مباشرة، أو تسلم له أو لأحد أقاربه، أو يوضع عنده صندوق وكلٌ وما تجود به نفسه يضعه فيه ولو كان ريالًا واحدًا..ثم تدفع لمحتاج بنية شفائه، أفضل من ورود سرعان ما تجف أو حلوى سريعة التلف.

ثالثًا: بعض المرضى تؤذيه الروائح ويضر به التقبيل ومع أن البعض يضع تعليمات وحواجز عن تقبيل المريض إلا أنه وللأسف البعض ومع نهيه المباشر لا يتقيد بها؛ ويكون رده: لابد من تقبيله، فهذا عزيز عندي أو جاري… المريض يعاني من مرض العين أو نقص المناعة فرائحتك تُؤذيه وتزيد في مدة شفائه وقد تضاعف ما به.. أو عنده عملية جراحية قلب مفتوح تقبيلك يضاعف من حالته وقد تعيده قبلة واحدة إلى المربع الأول.

من أسبوع ذهبت لزيارة مريض في بيته بعد إجراء عملية جراحية في عينه وخروجه من المستشفى، وما أن سلمت عليه حتى دخل أحد المؤمنين لعيادته وبالرغم من القول له بعدم التقبيل وأن الدكتور من تعليماته للمريض أن يكون في وضع معين، إلا أنه أصر على التقبيل قائلًا: إنه جاري وأغليه ولابد من تقبيله.. ورائحة التدخين تنبعث منه بقوة، وفي موقف مشابه لكن المريض في هذه الحالة مفتوح القلب اي أسوأ حالًا من الأول وتكرر معه نفس الموقف، ولوحظ على وجه المريض التكلف والإعياء إثر تقبيله.. لماذا هذا الإصرار؟ تصرف يضر بالمريض… لابد أن يكون عندنا وعي وثقافة نتعامل بها حسب الحالة، وحسب التعاليم والآداب المشرعة لها.

رابعًا: عدم الإكثار والإلحاح لسؤال المريض عن مرضه؛ (إلا أن يكون علاجه يعنيك) البعض يرى من العيب ألا يعرف المرض، ولكن العيب هو إلحاحك على المريض وإحراجك له، (خاصة إذا كان المريض امرأة لما لها من خصوصيات وإن كان الزائر قريبًا أو قريبةً منها) أنت تسبب له إحراجًا ويتألم من حيث لا تشعر… أو يكون حديثك عن أمراض مستعصية لا يمكن شفاؤها، وهو مبتلٍ بها أو تذكر من مات بهذا المرض أو مثله لا علاج له… فلان عانى منه حتى مات . فلان ذهب إلى عدة أماكن فلم يستفد أو تملى عليه وصفات طبية وهي خارج اختصاصك وإنْ وافقت، وكلها أو معظمها مخالف لا موافق لتعليمات الطبيب.. أنت جئت لتدخل عليه العافية لا أن تهيئه لليأس والموت.. تحدث معه بما ترى له فيه راحة وشوق وأمل، وفائدة مرجوة…

علينا أن نفهم المقصود من الزيارة وأهدافها وآدابها؛ لتساعد على شفاء المزور وننال بها الأجر والثواب.. وكذلك لنعلم أن عيادة المريض ليست مقصورة على مَن نعرف ونترك من لا نعرف؛ فهي للجميع وإن اختلف مستوى القرب والعلاقة بيننا… نسأله تعالى الشفاء والسلامة لجميع المرضى من المؤمنين والمؤمنات.


error: المحتوي محمي