تسبب على نفسه بجلطة دماغية.. فبكى حسرةً على ذلك!

بمناسبة يوم الجلطة العالمي 27 من أكتوبر، أقدم لكم مقالي هذا، وأتمنى من خلاله أن أستعرض الأسباب المؤدية للجلطة الدماغية وأن أصور بعض المعاناة التي يعانيها هؤلاء المرضى.

جاءني مريض في قسم العلاج الطبيعي بعد خروجه من العناية المركزة إثر إصابته بجلطة دماغية، جلس أمامي، أراد أن يتكلم وإذا بالحروف تخرج منه بشكلٍ عشوائي، حاول أن يتحدث بشكلٍ طبيعي وأن يربط الجمل ببعضها فلم يستطع، لملم بجهد “استطاعه” أكبر قدر ممكن من الكلمات فخرجت “جملةٌ” متحشرجة أشبه بمنزلٍ محطم قد فعل فيه الدهر ما فعل!

تكلم ابنه الواقف بجانبه عن حالته كيف بدأت؟ وكيف أصبحت؟ أخذتُ الابن المشفق جانبًا فسألته: بيني وبينه كيف كان يعيش أبوك قبل الإصابة؟ هل كان يعاني من أي ضغوط نفسية أو أمراض صحية؟

فقال وعيناه تبحث في أروقة الذاكرة عن أبجديات أبٍ قد أسرف على نفسه، وأعطى عائلته كل ما لديه: إن أبي مدخن وكان يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكر مع سمنةٍ مفرطة، حيث إن وزنه يزيد على المائة كيلوجرام، ونادرًا ما مارس الرياضة، وكل هذه الأمور هي عوامل تعتبر أسبابًا لحدوث الجلطة الدماغية، لكن السبب الرئيسي الذي سبب هذا الحادث هو ارتفاع ضغط الدم وانفجار شريانٍ صغير في الرأس، مما أدى إلى نزيفٍ بليغ داخل الدماغ!!

بدأتُ معه بتمارين بسيطة كي نحرك تلك العضلات المتشنجة وتلك المفاصل المتيبسة بسبب الرقود لمدة طويلة على سرير المرض، وإذا بدمعةٍ ساخنة خرجت من محجر عينيه وتعلقت بجانب الجفن، وكأنها تُعلن عن رحيلٍ أخير إلى مصيرٍ مجهول، ثم انزلقت مسرعة لتصل إلى شيبته الكثيفة، لا أعلم ما هو سبب هذه الدموع! أهل يشعر بألمٍ في جسده؟ أم بسبب الانكسار الداخلي الذي ألم به؟! وكما يقال لا يشعرُ بالألم إلا صاحبه!

وما لنا إلا أن نرمم بعض ما انكسر داخله بقبلةٍ على “جبينه” ولمسةٍ حانية على كفيه بلطف ليقوى بذلك عزمه وإرادته.

من أصعب الأمور على الإنسان أن يُمسي ضعيفًا بعد قوته، وأن يكون عاجزًا بعد قدرته، فلابد لنا نحن كمعالجين أن نراعي هذا الشعور المؤلم! وأن نقوي ما تبقى من عزمه وإرادته، ونعطف على هؤلاء المرضى كأمٍ حنون ملأت طفلها ذي الستة أشهر بحبها وحنانها.

وعلى فرضية كون غالبية المرضى المصابين بجلطة دماغية يعانون من اكتئابٍ داخلي، إلا أن هناك نماذج تتعجب من صلابتها وإرادتها، فتراه رغم كل ما يعانيه من عجزٍ “وألم” مبتسمًا راضيًا بما قسمه الله له.

ولا يغيب عن ذاكرتي ذلك المريض الذي أتاني في يومٍ من الأيام، كان قد أصيب بجلطة دماغية أدت إلى توقف الجزء الأيمن من أطرافه، كان كالجبل الأصم صلبًا لا يهزه الريح، مثابرًا مجتهدًا في عمل التمرينات العلاجية ومؤمنًا لا يفتأ لسانه عن ذكرِ الله سبحانه وتعالى، كانت خطة العلاج المرسومة له عبارة عن ستة أشهر لكي يعتمد على نفسه في الوقوف والمشي، وإذا به وصل إلى الهدف المطلوب خلال شهرين فقط، ولذا فإن بعض العلاجات تتفاوت من مريض لآخر بناءً على حالته النفسية وتقبله لوضعه.

فنفسية المريض لها دور كبير في علاجه، فمن كان لديه مريض في المستشفى، أو طريح الفراش في بيته، فليبدأ بمعالجة نفسيته قبل جسده، وهنا يلعب الأهل والأصدقاء دورًا كبيرًا ومهمًا جدًا في تطبيق الخطة العلاجية وتعديل نفسية المريض.

فرفقًا بمن خارت قواهم من بعد قوة، فربما نكون مكانهم لا قدر الله ونتمنى لمسةً حانية من أحدهم يومًا ما.

لا يدرك الكثير منا أن النمط المعيشي والروتين اليومي السيئ مثل التدخين والتغذية السيئة وعدم مزاولة الرياضة والسمنة وغيرها له دور كبير في حدوث مثل هذه الأمراض، فحريٌ بنا أن نُعود أنفسنا وأبناءنا على العادات الصحيحة لتفادي حصول ما حصل لكثير من الناس بسبب إهمالهم، فالعاقل من اتعظ بغيره.


error: المحتوي محمي