أعظم قيادة إستراتيجية عرفها التاريخ

القائد العظيم يخلق أهم عناصر توفر قيادته في الجنود والمعسكر وهي: بناء شخصية الرجولة، وفنون القتال، وبناء العقيدة الصلبة التي تصحبها روح معنوية عالية؛ هذه الأهداف وحّدها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في قناةٍ واحدة؛ رجولة تحمل الشجاعة، ورجل يملك مهارات القتال، وروح معنوية عالية.

يتجاهل العالم الآن أن كثيرًا من العقائد القتالية والفكر العسكري تطورت على يد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأصبحت بروتوكول إستراتيجيًا تبنته أقوى الجيوش العسكرية وكليات الحرب العليا حاليًا في مجالات: بناء وإعداد الفرق، والوحدة والتعاون بين المعسكر، والتكتيك الإداري، والتمويل العسكري، وقبل ذلك حقوق الإنسان في الحرب.

وضع الرسـول أسس ومبادئ القتال قبل أن تضعها وتطبقها الأكاديميات العسكرية الحديثة وقبل نابليون بونابرت وروميل «ثعلب الصحراء» وغاندي أو أي قائد عسكري ذكره التاريخ؛ حيث القائد مارشال روميل «ثعلب الصحراء» فقد تمتع ثعلب الصحراء بفنون قتاله وأساليبه المميزة في المعارك وخفّة الحركة والدهاء والقتال التعطيلي والالتفاف والتطويق.. هذا القائد العسكري كتب في مذكراته لقد أخذت فنون القتال من الرسول وأصحابه.

إن أول الضوابط التي وضعها النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحرب ويتعلق بها العالم الآن هي وصيته بحفظ حقوق الإنسان مسلمًا كان أم كافرًا والحفاظ على الأرض والموارد؛ فمتى أراد بعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: “سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا صبيًا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرًا إلا أن تضطروا إليها وأيما رجل من أدنى المسلمين”. هل ثمة شي مكتوب في مواثيق الأمم قبل ذلك؟ وهل تنشد غيره؟

في واقعة بدر شكّل النبي (صلى الله عليه وسلم) فريقًا مهمته عمل دوريات مراقبة أمام القوات، وكانت مهمته على الجوانب أيضًا رصد أخبار العدو وإعطاء الإنذار المبكر حتى تتمكن القوات العسكرية من الاشتباك دون وقوع في كمين من العدو؛ حيث إن الكتيبة التي تحمل القوة الرئيسية بقيادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أما الدوريات من الجوانب والمؤخرة بقيادة قيس بن أبي حفصة.

ظلت قيادة الرسول نموذجًا رائعًا في تطوير أسلوب القتال من الكر والفر إلى أسلوب الصفوف واتخاد الاحتياط من الجنود، كذلك استخدام الحرب النفسية لزعزعة صفوف العدو قبل أن يبدأ القتال العسكري.

فلو نظرنا لواحدة من إستراتيجيات إدارة الموارد والسيطرة في الحروب التي تستخدم اليوم والتي استخدمها النبي (صلى الله عليه وسلم) في بدر: عسّكر جيش النبي بحيث يكون بئر بدر خلف خطوط المسلمين، لضمان الماء في الشرب وإعداد الطعام وتضميد الجراح من نساء المسلمين، وفي الوقت الحالي مواقع الخدمات تكون خلف خطوط المعسكر.

في غزوة الأحزاب طبق النبي معايير هندسية ميدانية بل واستحدثها، فحين كان جيش المسلمين قليلًا جدًا مقارنة بجيش العدو الذي يملك قوات متفوقة عددًا وعدة؛ أشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي بحفر خندق يطوق المدينة ويمنع العدو من التقدم، فقام الرسول بهندسة تطوير فنية إلى الخندق حتى يكون مانعًا هندسيًا منيعًا يخدم الخطة الدفاعية، فرسم النبي الخارطة الهندسية إلى الخندق بطول 8 كيلومترات وعرض 6 أمتار مع عمق 5 أمتار، بعدها أشار النبي (صلى الله عليه وآله) بوضع موانع طبيعية التي لا يستطيع العدو اجتيازها.

كان حفر الخندق بشكل هندسي بارع مثل فوهة المدفع بإطلاق قذيفة تطور كبير في تكتيكات المعركة الدفاعية وقد كان هذا الخندق أول تجهيز هندسي لموانع عسكرية في ذلك العصر، ثم أصبح أحد أعظم التجهيزات الدفاعية في العصر الحديث، وخاصة أن ذلك الخندق تم اختيار موقعه في عنق المواجهة على طريق الاقتراب إلى المدينة.

لو فتحنا الفلاش وركزنا على الفن الهندسي لربما رأينا القوة في الهندسة ليست في حفر الخندق وإنما في اختيار المكان والأبعاد الهندسية التي أمر بها بحيث لا يستطيع الأفراد ولا الفرسان اختراق ذلك الخندق.

تقدم الرسول محمد على عصره، فقد طبق في غزواته مبادئ الحرب التي يُطبق بعضها في العصر الحديث، إن لم يكن كلها، وكان ذلك التطبيق بالفطرة، دون دراسـة في أكاديميات أو جامعة عسكرية.

محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المثل الأعلى في القيادة والشجاعة وعبقرية الرأي الحكيم، علاوةً على بُعد النظر والحكمة لديه حيث يملك الشجاعة وموازنة حجم المعركة ويختبر مناخها ودراسة الأرض دراسة جيدة من جانب القوات الصديقة ومن جانب العدو.


error: المحتوي محمي