مستشفى القطيف ونظرة المجتمع القاصرة

كثيرًا ما يتداول في مجتمعنا القطيفي طرف تصور مستشفى القطيف المركزي أنه أشبه بالمسلخ أو المقبرة وما شابهه من توصيفات مفادها بأن المستشفى به من السوء الكثير، وربما تكرست هذه الطرف أو النظرة السائدة عن المستشفى بسبب بعض الأخطاء الطبية أو الإدارية على مدار أكثر من 33 عامًا من عمر المستشفى، خاصة أنه المستشفى الحكومي الوحيد الذي يخدم مدن وقرى محافظة القطيف عدا عن سكان باقي المدن المجاورة.

وكان آخر ما تداوله رواد الواتساب فيديو لمراجع يشتكي من غياب موظفي الاستقبال عن قسم فقر الدم بالمستشفى، وكان يشير في الفيديو لتكرار هذا الغياب، ويناشد مسؤولي المستشفى لإيجاد حل لهذه المشكلة.

وكنت ممن تملكته هذه التصورات السائدة مما سمعت من الناس حولي، أو مما وصلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حكايات وقصص حول ما يدور في المستشفى وحول سوء الخدمات ومستوى الكادر الطبي، لكن بعد أن تسنى لي في هذه الفترة مرافقة الوالد في المستشفى في قسم الباطنية، لأسبوعين واحتكاكي الدائم مع الكادر الطبي والتمريضي، وأنا كنت ممن لم يثق بهذا المستشفى، ولكن تبين لي عكس هذه التصورات، واتضح لي مكمن مشكلة هذا المستشفى الكبير والذي يخدم محافظة كبيرة جدًا كمحافظة القطيف التي عدد سكانها يبلغ بحسب تعداد 2017م (524,182) نسمة.

وجودي بالمستشفى كمرافق مع والدي وفي قسم الباطنية بالتحديد جعلني قريبًا جدًا من تفاصيل العمل الطبي والتمريضي ومستوى ما يقدم للمرضى في القسم، وفي حقيقة الأمر فإن المستشفى لا يكفي لهذا العدد من السكان، بل تحتاج القطيف لـ4 مستشفيات مختصة عامة أو مركزية تستوعب هذا العدد الكبير، وتستطيع تقديم خدماتها بشكل أفضل.

هذا الجدول يبين عدد المستشفيات المركزية والطاقة السريرية وعدد المراكز الصحية نسبة لعدد السكان مقارنة بمحافظتين مثل أبها وحائل، ويبين مدى حاجة القطيف الحقيقية لمستشفيات أكثر وأكبر وطاقة سريرية أكبر من 360 سريرًا في مستشفى وحيد.

في هذا المستشفى استشعرت مدى اهتمام الكوادر الطبية بالمريض والكفاءة العالية خاصة في قسم الباطنية بالمرضى، فالقدرة على التشخيص ووضع برامج علاجية والمتابعة المستمرة، وهذا ما لمسته مع حالة الوالد حتى في الطوارئ أثناء زيارتنا معه، ولكن تبدو المشكلة حقيقة بعدد الأسرّة الذي لا يمكن أن يكون كافيًا لعدد المرضى؛ خاصة أن المحافظة معروفة بانتشار أمراض فقر الدم مثل السكلسل الذي يحتاج مريضه للتنويم بشكل متردد وهذا ما يجعل الحصول على سرير شاغر أمرًا صعبًا.

أضف لذلك أن قسم الطوارئ الذي يزوره عدد كبير جدًا من المرضى يشكل عبئًا على الكادر الطبي، فالعديد من الحالات ليست حالات تحتاج لتدخل علاجي طارئ مثل الأنفلونزا أو أمراض اعتيادية أخرى، فيكفي ما يصل للمستشفى من عدد الحوادث التي تبدو هي الأكثر أهمية والتي تحتاج لتدخل طارئ وسريع.

في تصوري القاصر أن ليس من مصلحة أحد أن نزرع في أذهان الناس أن مستشفى القطيف مقصب أو مقبرة أو حتى ما شابهها من أوصاف مخيفة ذات مدلولات تهجمية، فلا بد أن نضع الأصبع على الجرح وندرك مشكلة المستشفى، قصور الاحتياجات وعدم الاستيعاب وغيرها من المشكلات التي لا ذنب للطاقم الطبي ولا الإداري فيها، والسؤال لكل من يردد وينشر تلك الرسائل السلبية تجاه المستشفى، لماذا تأتي وتتعالج فيه إذا كنت غير مقتنع أن هذا المقصب هو أفضل العلاجات لك؟

أنا أقول وللحق مستشفى القطيف المركزي صرح قائم على كوادر طبية ذات كفاءات علمية وتجارب ودراسات، والكادر الطبي متفوق جدًا، ولو كنت أقيمهم خاصة من تعاملت معهم من أطباء، لقمت بتقييمهم بـ110% وذلك بسبب سرعة الاستجابة لأي طارئ يحدث للمرضى، وأيضًا لا ننسى التعامل الإنساني مع المرضى وخاصة كبار السن، وهذا والله لهو الحق الذي يعرفه الكثير ولكن لا أدري ما هو السبب في التشهير؟

قد يكون هناك قصور وتقصير مثل أي قطاع نتعامل معه؛ كالتعليم والأحوال المدنية وغيرها من القطاعات، لكننا نحتاج أن ننظر بعين الواقع لا بعين العواطف لنحكم على هذا المستشفى، لنحمل المستشفى وكوادره خطأ شخص ما.


error: المحتوي محمي