أراجيحُ تشرين

مطلعُ شهر تشرين الثاني يغري العالمَ بالخروجِ والمغامرة فعندما تضعفُ الحرارةُ يقوى الجسمُ على الحركةِ والروحُ على العناد. لم يكن في عالمنا الصغير القديم في الستيناتِ من القرنِ الماضي أراجيح يصنعها صانعٌ ماهر في الحدائقِ والمنتزهات. ننظر أيَّ نخلتينِ متجاورتينِ وأيَّ طولٍ من الحبلِ يكفي أن يرتقيَ الصغيرُ ويظنَّ أنه يلمسُ السماءَ وهي لم تكن سوى مترينِ في الهواء. يقعد الصبيانُ والبناتُ واحدًا بعدَ واحد ويميلونَ مثل أعوادِ الخيزرانِ الغضة، يجيئونَ ويذهبونَ معلقينَ في الهواء.

يضع الوالدُ يده على ظهورنا ويدفعنا للأمام، تفتر ثغورُ الصغارِ عن ابتساماتٍ أعرضَ من الدنيا ونقول: أكثر أكثر، أعلى أعلى. دقائق ويتعب الكبارُ ولكننا الصغار نطلب المزيد. هيَّا بعضنا يدفع بعضًا، فجأةً يتوقف الحبلُ وتزحف أرجلنا في الأرض. آه انتهى اللعب!

أليس هذا هو القَدَر ونحن البشر الصغار فيه لا نعرف كيف نهبط أن نرتفع؟ نركب المخاطرَ كُلَّ يوم، خطتنا أن نمشيَ ونطير لكن لا نعلم متى وكيف يتوقف الحبلُ عن التأرجحِ في الهواء وهل نسقط أو نتوقف رويدًا رويدًا. هل يعطينا الكبيرُ إنذارًا وقت التوقف؟ الآن رعاديد يخيفنا المجهول، نضطربُ عند قتال القدرِ جُبنًا، ذاكَ الذي كنا نستحثهُ في الصغر! لمَ لا فالأيام لا ترسل لنا كم قدمًا نحنُ في الهواء قبل أن نسقط:

يا راقدَ اللَّيلِ مسرورًا بأوَّلـــهِ
إنَّ الحوادثَ قدْ يطرقنَ أسحارَا
لا تفرحـنَّ بلـيلٍ طـابَ أوَّلـــهُ
فـربَّ آخـرِ لـيـلٍ أجَّـجَ الـنَّـارا
أفنى القرونَ التي كانتْ منعَّمةً
كـرُّ الجـديـدينِ إقبـالاً وإدبـارا

رباهُ متى ما ارتعشت أرجوحتي في عواصفِ الحياةِ أو توقفت، خذ أنتَ بيدي ومتى ما انقطع حبلُها فأنا اسمي “عبد الله” وصفتي “الضعيف”. أنا “إنسان” يومًا ما وعدَ أن يجمعَ كُلَّ صغارِ الدنيا ويجدل لهم حبالًا من ذهب ويزرعَ لهم شجرةَ زيتونٍ بدل كل نخلة، لكن لو عمرتني!


error: المحتوي محمي