جلسَ ابنُ حلاقِ القرية الذي صارَ يملك الملايينَ بالقربِ من كانونٍ في منزله الفاخر يتقي بردَ شهرِ تشرين ويتباهى لأحفاده قائلاً: انظروا كيف عملتُ وتعبتُ وجاءت الدنانيرُ مثل الديمة. ما لم يقلهُ ابن الحلاق إنه عندما كان والدهُ يثرثر ويقصَّ شعرَ وجهاءِ البلدة كان يجز الشوكَ من أمامِ ابنه ويبني شبكةَ الأمانِ من معارفهِ الأغنياء حتى لا يعتاشَ ابنه من رؤوسِ الناس. كبرَ الابنُ ومع قليلٍ من التعبِ كان كل شيءٍ في انتظاره.
يكتب ابن الحلاق والناجحونَ في الحياةِ سيرتهم وكأنها ضربة حظ، كانوا قبلها لا شيء، وبتعبهمْ ونصبهم اتقدت شعلةُ النجاحِ فيهم دون غيرهم الذين بقوا حيث هم يعيشونَ يومًا بيوم، يذكرون ما فوقَ الأرضِ ولا يذكرون ما تحتَ الأرضِ وهو خليطٌ من مساعدةِ الآخرين والزمن والفكرة التي بها نجحَ ابنُ الحلاق. في الدنيا ملايينٌ من البشرِ يملكونَ الفكرَ والطاقةَ والعلم ولكن لا يملكون ما تحتَ الأرضِ من عواملِ النجاحِ مثلهم مثل الذي يقول:
وكم في الخدرِ أبهى من عروسٍ
ولكــن زيـنَ الـزمـنُ الـعـروسَ
لا يصدق الناجحونَ في إعطائنا الروايةَ كاملةً ويحذفونَ منها الفصلَ الأهم، تقرأ عمن كان حلاقًا ومن كان إسكافيًا في حانوتٍ في ناصيةِ الشارع ومن نامَ وجاءته حكمةُ الفكر قبل الفجرِ وأصبحوا أغنياء. لا يخبرونَ عن أنفسهم أنهم مثل غيرهم رَكَلَهُمْ آخرونَ نحوَ الأعلى، منهم من نجحَ في الطيرانِ ومنهم من ارتطمَ بالأرضِ مرةً أخرى. إذا كنتَ تريد النجاحَ فاعمل بكل ما تستطيع فإذا وصلتَ قِمَمَ الرقي فسوف تعرف كُلَّ الأسرارِ حين يطلب منك غيركَ أن تأخذ بيده وإلم تصل وبقيتَ حيثُ أنت لا لوم عليك، لن يصلَ القمةَ كل الناس. حبكاتُ الحياةِ أعقد من لعبةِ النرد التي فيها ستة أوجه، كل جهةٍ برقم ولكي يحصل من يلعبها على الرقم “6” فاحتمال ذلك لا يتعدى مرةً واحدةً بين “6” رميات فكيف بوجهِ الحياةِ الحقيقي الذي فيه مئات الاحتمالات!
كل نجاحٍ هو خليطٌ من تعبِ الجسدِ والفكر والاختمار في الزمن وفتيلٌ يشعل الخليطَ من طاقةٍ لا يعرفها إلا الناجح، كيف أوصلته دون غيره. في كل الأحوال ليست القوة والعضلات وحدها ما يجلب النجاح:
لو كان عن قدرةٍ أو عن مغالبةٍ … طار البزاةُ بأرزاق العصافيرِ
كما أنه ليس كل السرِ في كبر العقلِ والحيلة:
ليس بالعقل يطلب المرء رزقًا … كم رأينا من أحمقٍ مـرزوقِ
وأصـيـلٌ مـن الرجـال نـبـيـلٍ … سَدَّ عنه الحرمانُ كل طريقِ
كل السر أن نصدق ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاۚ﴾ ” ثم ما ينتج عنه ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾. لا داعي لتعجل النجاحِ وقلةِ النوم، إن كانت الدنيا سوف تأتي فلن تتأخر وإن كانت لن تأتي فهي أروغ كل المخلوقات، لن تستطيع أن تصطادها في أي فخٍ نصبت.