معرفة الإنسان بحقيقة نفسه فيما تحمله من تصورات ومشاعر وطموحات ونقاط نقص وخلل تمثل نقطة الانطلاق في ميادين الحياة بومض معرفي بما يمتلك أو ما يفتقده وما ينبغي فعله أو تجنبه.
وهذا الوعي والمعرفة بالنفس له دوره الإيجابي في استكشاف قدراتنا الفكرية والوجدانية والنفسية فنعمل على تنميتها بما يخدم عملنا المثابر من جهة، وإقامة علاقات ناجحة تقوم على أسس متينة من جهة أخرى، كما أن هذه المعرفة تبصرنا بالمعوقات والعقبات التي نواجهها وكيفية التعامل معها، متسلحين بالنفس الطويل وتحمل المتاعب والتكيف مع الظروف، وهذا ما يعطي المرء صورة واضحة لا لبس فيها للمواجهات والتحديات التي يصادفها ويمر بها وكيفية التعامل معها بعيدًا عن الانهزامية.
وهناك مشكلة حقيقية عند البعض تكمن في جهل وتغييب لحقائق مهمة عن نفسه، فلعله يمتلك من المهارات والإبداعات التي أهمل تنميتها حتى تلاشت منه، ولعل بعض الأخطاء وصور التقصير يتصف بها فكره وسلوكه، ولو تنبه لها في بداياتها لأمكن اقتلاع منابتها قبل أن تتجذر وتترسخ في نفسه.
والهدفية في الحياة وتجنب العبثية والحيرة والسقطات المتتالية بين دروب تاه بين جنباتها، هو معرف مهم بالنفوس العالية وما تمتلكه من رؤى، ولعله ضيع الكثير من وقته وجهده بلا فائدة لا لشيء سوى أنه لم يمتلك خطة ورؤية قائمة على معرفة بنفسه، وإنما مارس من التجارب ما يحكم بفشلها منذ البداية، بسبب افتقاره لأدواتها ووسائل تحقيقها والمهارات اللازمة بها فخاض غمارها جاهلًا بأبجدياتها، أو لأنه وضع من الأهداف ما كانت سقوفها عالية، فخابت آماله لأنه وضع لنفسه حجمًا أكبر منها وأقحمها في تجربة لا تقوى على أدائها.
وغاية الغايات والمقصد الأهم في حياتنا هو نيل السعادة والاستظلال بوافرها، ولكن التساؤل المهم يتعلق بمكامنها ومواضع تحصيلها، فقد تفاوتت الوجهات والآراء فيما يحقق للمرء راحة البال.
وإذا بحثنا في دواخلنا فسنجد التباين فيما تتعلق به مما تراه سببًا موصلًا للسعادة، بين تعلق بالمال والجاه وآخر يراها في أمور معنوية تحوطه براحة البال، والرضا والقناعة الذاتية الناشئة عن العمل المثابر في كافة الاتجاهات في حياته مما حفز فيه قدراته وشمر فيه سواعد الهمة العالية، بغض النظر عن النتائج ونسبة تحقق ما رسم له من أهداف وغايات.
وهل نمتلك من الجرأة والحكمة والتفكير الواعي الرشيد ما يؤهلنا لاتخاذ القرار السليم المبني على دراسة لما نواجهه من مشكلة من جميع الزوايا، ناظرًا للأمر من كافة الاحتمالات وما يترتب على خطوته بهذا الاتجاه من آثار ونتائج، فهذا مما يجنبنا الوقوع في أخطاء نرتكبها ونحتاج بعد ذلك إلى جهد مضاعف لإصلاحها.
واهتمامات الإنسان وما يستهويه من أفكار وبرامج في أي نشاط تكشف عن مجمل طريقة تفكيره، وإفساح المجال له بالحديث عن رغباته، والاستماع له ممن يحيطونه برعايتهم كالوالدين والأصدقاء، يضعنا على أرضية واضحة لاتجاهاته وقدراته ننطلق بعدها في توجيهه لتنميتها بالدراسة والتدريب.
والهمة العالية والطموح يمثل أساس طريق النجاح والارتقاء بالنفس في فضاء التكامل وتنمية القدرات، فلتكن أوقاتنا تترجم آمالنا فلا نتخلى عنها أبدًا مهما واجهنا من ظروف صعبة، فاستثمار الوقت وتجنب تضييعه وتبديده فيما لا يعود علينا بخير يشكل تخطيًا لعقبة كبيرة، فالنفوس المتألقة تصنع وتظهر لنا باستمرار نتاج عملها الدؤوب.