الإهمال وسوء المـآل

نقسو كثيرًا على شبابنا الذين تاهت بهم السبل، وساء بهم الحال، من دون أن نتمعن ونبحث عن الأسباب التي أوصلتهم لما هم مبتلون به مع مرحلة الصبا والمراهقة وربما ما بعدهما، فصاروا يعانون الأمرين؛ الأول هو ما هم عليه من وضع بائسٍ أفقدهم ماهيتهم الإنسانية، لأسباب نأتي عليها لاحقًا، والثاني هو حالة الازدراء والاحتقار التي يواجهونها من مجتمعاتهم، وكأنهم غرباء وليسوا أبناء وأقارب وجيران، وهذ ما يجعل منهم وحوشًا تنهش بعضها وبعضنا معها.

نحن وبدل أن نبحث هنا عن المسببات، كان من الأجدر على أولياء أمور هؤلاء وغيرهم أن يتخذوا الوقاية طريقًا من أجل الصلاح وسلامة السلوك والأخلاقيات، والتي لا تأتي سوى عن طريق التربية والتهذيب والتعليم.

كيف؟
من السهل الجواب على ذلك، ولكن هل أن فحوى الجواب مطبقة؟ لا نظن لأن النتيجة ماثلة أمامنا في الكثير من الحالات، وقد وصل بعضها للأسف لأن نخسر حياة الكثير من شبابنا، إما عن طريق الحوادث، أو الانجراف وراء الموبقات، أو خسرانهم تحت طائلة الحكم بالعقاب جزاء ما اقترفوه من جرائم على اختلافها.

إن سهولة الجواب تأتي من سهولة الإجراء الذي كان يجب اتخاذه من قبل أولياء الأمور والمتمثل في حسن التربية، والمتابعة الدقيقة أولًا بأول، وذلك ينسحب على الجنسين، فليست الأنثى بمنأى عن الخطأ والزلل، تمامًا كما الذكر، ونحن لا نقصد بالمتابعة الدقيقة هنا المتابعة الصارمة، ولكن ليس بأقل من المقدار الذي نلاعب فيه أبناءنا ونلاطفهم ونحرص على إسعادهم، والإغداق عليهم بملذات الحياة والحرص على عدم مضايقتهم، وهذا تمامًا ما يجب أن يأخذ نفس النسبة المطلوبة لتربيتهم التربية الحسنة السليمة، ومتابعة سلوكهم، ومراقبة تصرفاتهم، ومعرفة أصدقائهم، ومساءلتهم ومصاحبتهم.

هذه الأمور هي الواجب الذي علينا القيام به، مضافًا للحرص على تعليمهم وعدم إعطائهم الحرية لاتخاذ القرار في أغلب أمور حياتهم، حتى نتأكد أنهم نضجو، وامتلكوا زمام أمورهم، ويمكنهم الاعتماد على أنفسهم بعد أن تشتد أعوادهم، وبعد أن يمتلكوا القدرات الكفيلة بأن يسلكوا الحياة، وقد تسلحوا بالعلم والمعرفة، وبالتالي القدرة على الانخراط في الأعمال وكسب الرزق الحلال.

إن مشكلتنا الأساسية حقيقة هي الإهمال في تربية الأجيال، من دون أن نلتفت لخطورة ذلك، وها هي الخطورة قد وضحت جلية، فما علينا سوى متابعة التقارير المأساوية للحوادث والمشاكل التي تقع، وكذلك الانفلات الذي نعانيه من قبل بعض هؤلاء دون أن نملك الحيلة أو الوسيلة لكف أذاهم، أو نصحهم وإرشادهم، وهم الذين لا يتقبلون في الأساس من أحد، وكيف يتقبلون وهم يفتقدون للتفكير والمشاعر، ويفتقرون لأدنى مقومات الحياة، لأنك حين تحاول أن تنصح أحدًا، فسوف يقول لك في غالب الأمر: أطعمني أولًا، ثم قل ما تريد.

يجب أن نعترف بالحقيقة، والحقيقة تقول أنه يوجد من الآباء من أخذوا بأيدي أبنائهم بفضل الله إلى الطريق الصحيح، وربوهم التربية الصالحة، وحرصوا على تعليمهم، وتهذيب سلوكهم، حتى بلغوا بهم الدرجات العليا التي يتمناها كل أبٍ لأبنائه وبناته، فأصبحوا قريري العيون بما فعلوه لأبنائهم، وما وصل أولئك الأبناء إليه، تمامًا كما يوجد من الآباء وأولياء الأمور من بلغ بهم الإهمال لدرجة أخذ أبنائهم إلى التهلكة، حيث إنه لا يدري أين يبات ابنه، أو هل هو يدرس أم لا، أو من أين يأكل أو يشرب، فلا هو أحسن التربية، ولا هو يكترث حتى بمآلـه ومصيره، ولربما خسره في لحظة طيش، وجلس لتلقي العزاء فيه لثلاثة أيام وكأن الأمر اعتيادي كشرب الماء.

لهذا، ومع هذه التراكمات أصبح لدينا جيل بل أجيال لا تملك حيلة لأحوالها، ولا وسيلة لاستقامتها، ولا طريق عودة للصواب، وكيف يكون ذلك وهي خاوية التفكير، مفتقرة للعواطف، شحيحة الوعي والإدراك، منازلها الشوارع، ومطعمها ما تمتد أيديها إليه بأي وسيلة، ونحن نعدم الحيلة للدنو منها للأسف، إما خوفًا أو عدم اكتراث، أو قلة حيلة، أو أننا ختمنا بالقول إن هؤلاء لا فائدة من نصحهم وإرشادهم، ولا هم يحزنون.

ما نظنه عكس ذلك تمامًا، فلابد أن هنا أو هناك وسيلة ما، وليس أقل من التوكل على الله والمبادرة لفعل الخير والصلاح، ولن يخيب الله سبحانه وتعالى المساعي الخيرة، ولنبدأ من الصفر ثم الواحد ثم العشرة فالعشرين فالمئة، وما المانع من التجربة، ولن يخيب الله عز وجل الساعين للخير والإصلاح ما دامت النيات صادقة.


error: المحتوي محمي