الممتازون لا يسقطون

يعج عالم الشبكة العنكبوتية بمختلف القنوات الإعلامية، ووسائط التواصل الاجتماعي، هذا العالم الرحب الذي أفاد البشرية كثيرًا، وسهل عليها أغلب الفعاليات الحياتية التي تحتاجها، وبسرعة حققت الكثير مما كانت تصبو إليه، وسهلت ما كان – إلى وقت قريب – يعد مستحيلًا، ومثال ذلك ما تحقق في مجالات الطب والاقتصاد والمالية، والطيران، وكل ما يخطر على بال البشر. إلَّا أن ذلك لا يعفي عن وجود الكثير من المشاكل والمعضلات السلبية التي نجحت رغم هذا التقدم المثير في التكنولوجيا الحديثة، مما وضع العالم بأسره بعض الأحيان في موضع حرج، ولا يزال بين فترة وأخرى، ونحن هنا نتطرق فقط لمشكلة واحدة من هذه المشكلات ومن خلالها نعرج على أمور أخرى تتناسب وما نعرض.

فلقد أتاحت هذه التقنية للأسف الفرصة المواتية لأن يستغلها البعض من البشر – هداهم الله – وخاصة من الجنبة الإعلامية، لكي يفرضوا أفكارهم، أو أن يسيئوا للآخرين بطرق مختلفة، سواء مباشرة أم غير مباشرة.

إن قنوات التواصل والتطبيقات الإعلامية أو الشخصية والعامة أصبحت مرتعًا للكثير من الذين لا يملكون من العلم والمعرفة غير بث السلبية، ونشر الغسيل على حبال أهوائهم، بطريقة تدل على انحدار في مستوى التفكير والوعي والمنطق والإدراك.

والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، وهي من الفيض بحيث لا يمكن ذكر قليله هنا، ولكن لا أقل من أن نذكر حالات الإساءة المباشرة وغير المباشرة والتي تطال بعض أفراد المجتمعات الفاعلة، أو ازدرائها وتهميشها، وكأن هذه القناة أو تلك أو ذلك التطبيق بشخوصه أو هذا، هو أو هي التي ستلغي تلك القامة المجتمعية الفاعلة التي أفنت عمرها في خدمة وطنها أو مدينتها أو حتى فئة أو مجال قد وفقها الله تعالى له، فنذرت نفسها من أجله، والتفاني في خدمته، فاكتسبت منه مكانة وضعها الله والناس فيها، في الوقت الذي لم تكن ساعية لها، بقدر ما هي عطية وهدية استحقتها نظير عمل الخير، وفعل الجميل.

ولكن ذلك لا يرضي البعض الآخر للأسف والذين بتصنيف جاهل لا يروق لهم فلان أو جماعة، فتراهم دومًا في محاولات يائسة لتسقيط أولئك المتميزين من أبناء مجتمعهم وجلدتهم، وربما من أقاربهم وأنسابهم، لا لشيء سوى لأنهم اختلفوا معهم في الاتجاه، أو أن أولئك الحانقين تمنوا لو أنهم كانوا مكانهم.

ونحن لا ندري حقيقة ما هي الفائدة التي يجنيها هؤلاء حين يحاولون إسقاط الخلّص من أبناء المجتمع، وتسخير الممكن وغير الممكن من التهجم، والهمز واللمز بين فترة وأخرى في سبيل النيل منهم، وكأنهم قد سطوا على حلالهم، أو استحوذوا على حقوقهم.

ما يفعله هؤلاء جاهدين وخاصة خلال قنواتهم العامة والخاصة، لن يقلل من شأن النخبة الذين حباهم الله هذه العطية وخصهم بهذه الهدية، وسخرهم لخدمة المجتمع على اختلاف صعده ومشاربه، وربما يقول قائل: إن ذلك لا علاقة له بالتسخير الإلهي، إنما هي نزعات بشرية بين الناس تفرض القوي على الضعيف، وتمكن السيئ على الفاضل، وكأنهم شقوا صدور البشر ليعرفوا ما بداخل القلوب ومكنونها.

ثقوا أنه مهما حاول بعض المحبطين – هداهم الله – أن ينالوا من الموفقين، فلن يبلغوا مرادهم، ولا ندري ما هي دواعي ذلك، غير أن الذي أمامنا وما نقرأه ليس سوى نوازع شخصية لا مبرر لها، ونحن هنا ندعوا البعض – هداهم الله – أن يصطفوا صفًا واحدًا ويقفوا وقنواتهم التقنية هذه، أو حتى وهم في حالاتهم الاعتيادية وهم يمارسون حياتهم اليومية مع أبناء مجتمعهم، فيعطونهم حقهم، ويدفعونهم ويدافعون عنهم، لا أن يهمشونهم ويتعمدون حتى إغفال أسمائهم في المناسبات الخاصة والعامة، حتى وهم على رأس المسؤولية والقيادة، فقط لأنهم لا يرتاحون لأشخاصهم، أو أنهم مختلفون معهم في التوجه والأسلوب.

والغريب ويا للأسف أن ذلك يظهر حتى في التعاملات الحياتية الاجتماعية العادية؛ فهل يعقل أن يصل الحال للعداوات الشخصية، والتجاهل والامتناع حتى عن السلام والمصافحة، أو عدم حضور الدعوات الحزائنية أو الفرائحية، أو تعمد عدم تقديم التهنئة أو التعزية في هذه المناسبات.

سبحان الله، هل يعقل أن يصل المرء لهذا الحال، هذا فضلًا عن محاولة الإسقاط بالكلام البذيء والغيبة والنميمة، وتعمد الإساءة، وكأنه لا توجد مُثل ولا أخلاق ولا مبادئ، فيا أخي وبافتراض أنك لا تطيق فلان الفلاني، فلا أقل من أن تتحلى أنت بالنبل والحلم والكرم والخلق الرفيع بدلًا من أن تتبع نهجًا لا يأخذ به سوى ضعفاء النفوس والجهال والمارقين من البشر، وما الذي سوف تخسره إن تعاملت بالخلق الأسمى، وبافتراض أن فلانًا أساء لك، فما هي المشكلة لو أنك سامحت وتسامحت، فأنت الرابح دنيا وآخرة، ثم لنقل إنك لم تسامح، فما الداعي للتعرض له، واكتساب الإثم دومًا، وربما هو في الأصل لا يدير لك بالًا، ولست في أجندته، ولا اهتمامه، بل لا يعلم عنك شيئًا، ولا يكلف نفسه عناء رضاك.

لنخلق الإيجابية في مجتمعاتنا، ولننشر حمائم السلام على أبياتنا، ولنجعل من سجايانا ظلالًا تظلنا بالمحبة والتآخي والتصافي والسلام، بدلًا من أن نعكر الأجواء، ونكهرب المشاعر، وبالتالي نخسر بعضنا، ونخلق مجتمعًا متهلهلًا، يكون فيه الفرد غير قادر على نفع نفسه، فضلًا عن نفع مجتمعه، ولنعطي كل ذي حق حقه، فالمكانة لا تشترى، والوجاهة لا تباع، بل هما خياران أنت من يستحقهما متى ما عملت بإخلاص وتفانٍ وصدق وإيثار، وقدمت العمل على المصلحة، والجهد، لكي تعطي، وليس الإجتهاد لكي تأخذ، وهناك فرق كبير بين ذلك، وهو فرق لا يفهمه سوى من نال بين ذلك حظًا عظيمًا لا يمكن أن يسقط، فالممتازون لا يسقطون مهما حاول الآيسون.


error: المحتوي محمي