أضداد يجتمعون!

هل ترى أن الضدانِ يجتمعان؟ لا يعتقد الفلاسفةُ باجتماعِ الضدين! إذًا كيف يجتمع حبُّ الطبيعةِ وقذفها بالحجارة كما ترجم الزناة؟ ينكشف فصلُ الصيف ويخرج البشرُ من بين الجدران وترى أمكنةَ تجمعهم فوضى من الجمالِ والموت، لوحاتٌ وتواريخ وصورٌ وأشجارٌ وزهور وأحياء يمشون بين الطبيعة الميتة التي يدوسونها بأقدامهم ويقتلونها بمخلفاتِ حضارتهم. كيف يجتمع حبُّ الله وبغض النقاوة، تسأل هل جاءت الدجاجةُ قبلُ أم البيضة؟ هل نظافةُ الداخلِ تحصل في البشر عندما ينقي وينظف الخارج أم كلُّ الأشياءِ تأخذ جمالَ روحها من الخارج؟

جاءت المدنية بالخصوصية بعد أن كانَ كل ما يفعله الناسُ يراه الآخرون فأصبحوا يسكنونَ في غرفهم الخاصة ويأكلون في بيوتهم ومن يملك المال له حدائقهُ يمشي فيها، لا يرى ولا يسمع جلبةَ الناسِ في الشوارع ولا يترك الناسُ مخلفات مدنيتهم بين أحضانِ أشجارهْ. لكن من أين لكل إنسانٍ أن تكون له جنته إذْ ليس للفقراءِ سوى أن يقبلوا بأن يشاركوا بعضهم ما لا يستطيعون أن يملكوا.

يستغرب من يمشي في تلكَ الأماكنِ أننا من يتغنى ويمجد اللهَ في أعطيته ويشكره ويبني المساجدَ والمآذن، نحن من نحتقر تلك الهبات ونجعل مقابرنا أكثرَ جمال من حدائقنا وأماكن تجمعنا. لا تجود علينا الدنيا في السنةِ إلا بأيامٍ قليلة نستطيع أن نخرج من زنزانةِ المساكن التي حبسنا أنفسنا فيها فلا يجوز أن نشتركَ في آثام تلويثها.

من يزور كثيرًا من البلدان يصاب بالعجب حيث نظن ألاَّ أحدًا يسكن فيها لأنَّ مقياس كثرة البشر وقلة عددهم هو مقدار ما يتركونَ من نفايات ومقدار ما يحدثونَ من ضررٍ في أماكنهم العامة. بلى هم هناك، وربما هذه المجتمعات لا تؤمن بإلهٍ يجمعها، لكنها تؤمن بالطبيعةِ المشتركة وأن الهواءَ والماءَ والحدائقَ والطريقَ وكل المشتركاتِ لهم كلهم!

ليس سكوتُ الطبيعة أقل من كلامها ولو تكلمت لقالت: ليست الصلاة فقط في المساجد وليس الثواب فقط في الدعاء ولكن يعطينا الربُّ هباتٍ ونسائمَ من رحماته حين نكون في الخلاءِ الواسع نستمتع بما جاد علينا ولكن لا ينسينا حفيف الأغصانِ أن نشكره ونتذكر أن ذاك السحر والجمال ولو كان صغيرًا هو لنا كلنا. لم تعطنا الدنيا السروَ والصفصافَ والزيتونَ والكروم ومن يصدق دورةَ تحول الطبيعة والمناخ عليه أن ينتظرَ ملايين السنين حين تصبح شمسنا أقل وهجًا فتأتينَا الطيورُ المهاجرة وتبقى وتنمو الأشجارُ التي تقتلها الشمسُ والحر!

تلهم الطبيعةُ البشرَ وتغذي عقولهم بالعلم والشعر والأدب فمن لم يسمع عن إسحاق نيوتن؟ الشاب الذي كان جالسًا في حديقة منزله وسقطت على رأسه تفاحة، مما جعله يفكر كثيرًا نحو كيفية سقوط التفاحةِ للأسفل حتى توصلَ لنظريتهِ في الجاذبية. ولولا الطبيعة لم يقل المعري:
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي
نوح باكٍ ولا ترنم شــــادِ
وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِيـسَ
بصوت البشير في كلّ نادِ
أبَكَت تلكم الحمامة أم غـنــّت
على فِرْعِ غُصنٍها الميّـــادِ

تلك هي التي أنا وأنت ندوس أصمختهَا ونحتقرها كُلَّ يوم!


error: المحتوي محمي