القاصر المقصود به هنا الوليد حتى يبلغ رشدًا (شرعًا)، لن أستعرض الناحية الفقهية للمعنى العام أو الخاص للولاية، أو الولي أو القاصر، إلا في الحالات الملحة جدًا، لأنه من اختصاص الفقهاء وأنا لست فقيهًا ولا عالمًا، وإنما أستعرض الموضوع من باب التعامل والعاطفة والإنسانية، والاستفادة مما مر بي من حالات في هذا الصدد بحكم عملي.
في الأصل ولاية القاصر جبرًا للأب عند توفر الشروط فيه، وهنا لا يحتاج لإثبات قضائي، ولكن بعد وفاة الأب، ولأسباب أخرى وإن كان حيًا أو مجهول المصير (تفاصيلها في كتب الفقه، لابدّ لهذا القاصر من ولي بموجب صك شرعي يثبت صلاحيته للولاية بغض النظر عن آراء فقهية تقول بانتقال الولاية جبرًا للجد، وإن كان جدًا أو مُوصَى إليه يحتاج لولاية شرعية، حفاظًا على حقوقه.
وموضوعنا هنا يتعلق بالولي بعد الأب، إن كان الجد أو الموصي أو غيرهما.
الولاية سلطة شرعية أُعطيت للولي بعد ثبوت صلاحيته، التي منها البلوغ، والرشد، والأمانة، والعدالة، وعادة يكون الأقرب إليه نسبًا، إن وُجد، لحفظ حقوقه، فليس من العدل تركه دون توجيه تربوي أو يتصرف في أمواله، لنقص أهليته وعدم اكتمال رشده والقدرة على تمييز ما ينفعه مما يضره، ومن هنا جاءت الحاجة إلى ولي.
والولاية نوعان؛ ولاية على النفس، وولاية على المال، الولاية على النفس مثل التربية، والتعليم، والتزويج، والتأديب، والحفظ، والعلاج، ومتابعة جميع أموره كمنعه من إلحاق الضرر بنفسه أو بغيره… وإلى آخره، كما لو كان ابنه (المقصود الجنسين)، مع مراعاة الأمور الشرعية المتعلقة بوظيفة الولي، مثل الضرب.
والولاية على المال تعني حفظ أمواله وتحصيلها إن كانت لدى الغير، وحفظها له، والمطالبة له من الجهات الرسمية؛ تقاعد، تأمينات اجتماعية، ضمان، إنْ كان مستحقًا، أو شبه رسمية إنْ كان محتاجًا، وإن استثمرها تكون في مأمن، وإذا ذهبت بتفريطٍ بيّنٍ منه ضمنها، ومراقبة المُولى عليه في تصرفاته المالية، بالاعتراض، أو الإذن له، والإجازة.
وليعلم الولي أن هناك حَكمًا عدلًا لا يجور ولا يظلم ولا يحتاج إلى بينات، توعد الولي الذي يأكل مال اليتيم ظلمًا بقوله تعالى {إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}، فليحذر الولي سخطه تعالى والنار وسعيرها.
عجبًا! كيف تأكل؟ عجبًا! كيف تنام؟ وقد علمت أن سعير جهنم مأواك، إن ظلمت يتيمًا واستحليت ماله، ولكن وللأسف ما يدمي القلب ويُعاب على البعض ذهاب الرحمة، والشفقة، والإنسانية منهم، وهم قلة.
الأغلبية يحملون لليتيم القاصر حنانًا أكثر من أولادهم، ودائمًا في أعينهم، ويضحون من أجلهم، منهم من يمنحهم في حياته، ويبني لهم الدور، أو يورثهم في ثلث الوصية بعد مماته.
عندما من يتولى على القاصر يخون الأمانة، ويكون همه استحلال ما ترك مورث القاصر وما عنده، والاستيلاء عليه، غير مبالٍ بولايته على النفس، بل يرى في ضياعه وعدم إثبات رشده بابًا لاستمرار نهب أمواله.
إن أكلت مال اليتيم وأخفته ومن بقربه في الدنيا، أن يطالبوك، وأمنت الحساب فيها، ماذا تفعل بحساب يوم المعاد، يومها تخيف من؟ ومن ذا يخافك؟ وهل بإمكانك الدفاع عن نفسك فضلًا عن أن تخيف غيرَك؟ لا توصل نفسك إلى الجحيم، بظلمك لطفل صغير، أين إنسانيتك؟
كما أنك لا تحب أن تُظلم، لاتَظلم، اليوم قد لا ينفعه المحامي، وفي غدٍ لا يحتاج من عنه يحامي، هذا رحمك والأقرب إليك، اليتيم وأمواله أُسراء عندك، رفقًا بأُسرائك.
اقرأ التاريخ وتعلم ولو بعضًا من أبي طالب وفاطمة بنت أسد كيف كانا يعاملان يتيمًا كان عندهما.
أنقل قصة مرت بي ضمن عملي ربما تكون صعبة التصديق لغرابتها ولكنها حصلت (أنقلها بأمانة وأعذر من لم يصدقها)، حضرت عندي المكتب امرأة برفقة محرمها ومعهما ولد، من هنا نبدأ، ما عند هذه المرأة؟ وما قصة هذا الولد؟
تقول المرأة: هذا ولدي عمره أربع عشرة سنة، وقد بلغ مبلغ الرجال، فقدَ أباه قبل ولادته، وبعد الولادة عُين عليه ولي وطوال عمره هذا لم ير وليه ولا وليه رآه إلا ثلاث أو أربع مرات عندما كان دون الفِطام، بعدها وإلى يومنا هذا لم ير أحدهما الآخر، وما عرَفه في مصروفٍ قط، وأنا من يصرف عليه مما تجود به أيدي المحسنين.
والآن لا الولي يعرف المُولى ولا المُولى يعرف الولي، ولا نعرف ما فعل بحقوقه، له حقوق ثابتة لوالده لدى الغير، له راتب شهري من الضمان والتأمينات، وقد حاولت الاتصال على الولي ولكن دون جدوى، جواله الذي حصلت عليه ألغي وسكنه غير معروف لتنقله من مكان لآخر (لأسباب ذكرتَها نعرض عنها)، وجرى البحث عنه ولكن لا سبيل للوصول إليه.
وأنا بحسب أمانة المهنة لا آخذ حيثيات القضية من طرف واحد فقط، لأنها لا تُمكن من الوصول إلى الحقيقة (من يعتمد جانبًا أحاديًا قد لا يوصله إلى صحة ما ينشد).
وبعد التحري المضني والمتابعة، عُرفت محل إقامته، ولأني لا أعرفه أخذت من يرافقني إليه، وعند وصولنا إذا هو يسكن في فيلا إيجارها السنوي خمسون ألف ريال (حسب قوله)، وعنده سيارة قيمتها تزيد على أربعمائة ألف ريال، (فيما هو آتٍ نتائج ما توصلنا إليه باختصار مع عدم الكشف عنها كاملة لما فيها وفيها.
اتضحت ثلاثة أمور هي؛ أولًا: صحة ما نقلته أم القاصر بأن الولي والقاصر لا يعرف أحدهما الآخر، والولي يغير محل سكناه كل سنة تقريبًا، ومن استرساله في الكلام قال إنه خلال سنة غيَّر ثمانية عشر رقم جوال، ثانيًا: وعند سؤاله هل يصرف على القاصر؟ وهل استلم المستحقات العائدة لوالد المُولى؟ وهل له راتب من الضمان أو التأمينات الاجتماعية كما هو متعارف عليه؟ أجاب بقوله: أنا الولي ولا يحق لأحدٍ أن يحاسبني أو يسألني عنه كائن من كان، ومن تكونوا أنتم؟ أنا اقرب الناس إليه ولو مات أنا من يرثه، ولو علمت أن مجيئكم لهذا الأمر ما أدخلتكم بيتي.
ثم قلت له: نريد فقط استخراج بطاقة الهوية الوطنية له من الأحوال المدنية، قال: لا وألف لا، أيريد أن يوكل من يطالبني؟
ثم خرجنا وقبل أن نستقل سيارتنا نادى فأجبتُه، وإذا به يقول: لا مانع عندي ولكن بعد أن يكتب على نفسه إقرارًا بشهادتكم وشهادة أمه بأنه استلم جميع حقوقه مني ولم يعد له عندي ولا فلس واحد.
ثالثًا؛ اتضح أن الولي يحتاج إلى ولي، لو تقدم أحد ورثته للمحكمة بطلب الحجر عليه عندهم من الثوابت الرسمية وشهود الحال ما يكفي للاستجابة لطلبهم والحجر عليه.
هل هذا يستحق أن يُعطى ولاية على قاصر؟ أليست جريمة من شهد بصلاحه وأمانته في المحكمة؟ هذه أمانة، تحولت إلى خيانة، أنت أيها الشاهد والمعدل له؛ إن كنت تعرفه، بشهادتك وتعديلك له كذبت وأثمت وخنت، لأن سفهه وسوء خلقه ثابت رسميًا وشعبيًا طوال حياته، وإذا لم تعرفه فشهادتك زورًا وبهتانًا ومخالفة لشرع الله، وفي الحالتين أنت شريك الظالم، أنت من مكّنه.
وظلم اليتيم من الموبقات، ماذا تفعل وأين المفر؟ يوم الحساب العظيم وخصمك الله جلت عظمته وهو الحاكم والآمر والمنفذ، أترى إمكانك الدفاع عن نفسك؟ على الشاهد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، لا تكن الصداقة أو القربى الظالمة على حساب دينك، أترضى أن تُظلم أو يتولى على قُصّرِك ظالم (قست القلوب فلم تمل لحق، مالت لظلم وجورٍ، تبًا لها من قلوب قاسية).
البعض يظن أن لا سلطة على الولي ولا يُعارض على فعله بحكم الولاية، وأنه الأقرب إلى القاصر في الغالب، جد، أم، أخ، عم، خال، (هذا ظنٌ خاطئٌ)، إذا انحرف الولي بالأمانة وحولها خيانة، على مَن عنده القاصر أو القريب منه وعنده ما يثبت تقصير الولي أو التعدي على حقوقه، أن يرفع أمره للقضاء، وهذا حق مشروع لحماية القاصر، والقاضي ينظر فيها، وإذا صحت البينة يلغي ولايته ويولي من تثبت صلاحيته، ويحكم له بكل ما أخذه الولي من حقوقه ظلمًا.