في 13 من شهر سبتمبر الفائت مرت ذكرى 25 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو، وكانت الصورة (السريالية) التذكارية للمصافحة الشهيرة بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، تلك الصورة لها رمزية تاريخية دالة ومن منطلقات متباينة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء.
الفلسطينيون أو الأغلبية منهم اعتبروا بأن الاتفاقية ستمهد الطريق أمام تحقيق الحلم الفلسطيني، في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على جزء (22 %) من مساحة فلسطين التاريخية.
على الجانب الإسرائيلي من الواضح كما تبين لاحقاً، أنه اضطر إلى توقيع الاتفاقية، والقبول نظرياً بخيار الدولتين، وذلك إثر فشل سياسة تكسير العظام التي تبناها إسحاق رابين إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو انتفاضة الحجارة، التي اندلعت في 9 ديسمبر 1987، واستمرت حتى توقيع الاتفاقية، غير أنه في حقيقة الأمر، الجانب الإسرائيلي كان يستهدف إلى وقف الانتفاضة أولاً، والتمهيد إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها وفقاً لمشروعه الصهيوني التوسعي على مراحل تالياً.
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: أين ذهبت أحلام أو أوهام (اتفاقية أوسلو) في ضوء ممارسات إسرائيل على أرض الواقع؟
تضمنت الاتفاقية (الفخ) إرجاء بحث القضايا العالقة، التي هي في حقيقة الأمر القضايا الجوهرية في الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، على أن تحسم في غضون 5 سنوات من التوقيع على الاتفاقية، وهي المتمثلة في الأرض، الحدود، واللاجئين، ومدينة القدس الشرقية.
الآن وبعد مضي 25 عاماً ماذا تحقق على أرض الواقع.
وفقاً للمعطيات الفعلية، كشفت إحصائيات فلسطينية النقاب عن أن عدد المستوطنين تضاعف في الضفة الغربية المحتلة 7 مرات منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وبينت أن وتيرة الاستيطان ارتفعت بالأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن اتفاقيات السلام أكثر منها خلال الحروب.
نقف عند ما ذكره الأمين العام للمبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي خلال مؤتمر صحفي عقد بمدينة رام الله، بعنوان: «إحصاءات وحقائق بعد مرور 50 عامًا على النكسة» أن عدد المستوطنين في الضفة ارتفع من 111 ألفاً إلى 750 ألف بعد توقيع اتفاقية أوسلو.
وأكد البرغوثي في المؤتمر الصحفي أن «إسرائيل» تخصص 42 % من أراضي الضفة للتوسع الاستيطاني، من ضمنها 62 % من أراضي مناطق «ج
ولفت إلى أن الخطة طُبّقت بالتفصيل، وأن الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات أكبر من عدد المستوطنات بكثير، بينما أنشئ الجدار الفاصل على 85 % من أراضي الضفة الغربية.
على صعيد عودة الفلسطينيين (أكثر من 5 ملايين) من مناطق الشتات ترفض الحكومات الإسرائيلية (اليسارية واليمينية) المتعاقبة معالجة أوضاعهم وفقا للقرار 195 الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1948، بل إنها أصدرت مؤخراً قانون يهودية الدولة، الذي يكرس إسرائيل قانونياً كدولة يهودية/ عنصرية بامتياز.
إزاء موضوع القدس حسمت إسرائيل موقفها النهائي منذ البداية باعتبار القدس الكبرى بما في ذلك القدس الشرقية عاصمة أبدية لإسرائيل.
ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، في حقيقة الأمر أنه ليس انسحاباً، وإنما إعادة انتشار، وأبقت إسرائيل السيطرة على المعابر والبحر والجو، وكل ما جرى هو فصل غزة وفصل السكان، حيث يخضع أكثر من 2 مليون فلسطيني للحصار والتجويع الغاشم.
في الواقع أقدمت إسرائيل على تنفيذ وتمرير مشاريعها المستهترة بالمصالح والحقوق الفلسطينية الشرعية، مستفيدة من حال الانقسام والتشرذم الفلسطيني، وغياب برنامج وطني مشترك ومتفق عليه بين الأطراف الفلسطينية لمواجهة الاحتلال، والأمر ذاته ينطبق على حال التشرذم والانقسام والضعف المخيف في العالم العربي.
لا نسى هنا أن إسرائيل تواصل سياستها المتعارضة على طول الخط مع قرارات الشرعية الدولية، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، بل وفي ظل دعم بعض القوى المؤثرة في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة. نستذكر هنا قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورفض تمويل وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (الأونروا)، وإقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة.
نجيب الخنيزي
كاتب رأي – صحيفة الجزيرة