غياب الزوج.. الأب عن البيت بسبب ظروف العمل

الآثار السلبية وسبل تلافيها…

شهدت الأسرة في مجتمعاتنا في العقود الماضية تغييرًا ملحوظًا، فقد كانت العائلة الكبرى المكونة من الجد والأبناء وأبناء الأبناء تجتمع تحت سقف واحد، وقد يصل العدد إلى نحو خمسين نَفَسًا أو يزيد، حسب إحصاء مضى قبل سنوات في إحدى قرى المنطقة؛ وعليه فإن غياب ربِّ أسرة لبعض الوقت لا يؤثر كثيرًا، إذ سرعان ما يحل محله –تلقائيًا، ومن دون تنسيق مسبق- العمُّ أو الجدُّ أو غيرُهما.

تدريجيًا، ومع مجيء الرفاه الاقتصادي نتيجة ارتفاع أسعار النفط في منتصف سبعينات القرن الماضي، بدأت الأُسَر في التفرق والاستقلال، مراعاة لخصوصية كل عائلة، لتربي أبناءها كما تريد هي، ولتدير الزوجة بيتها حسب مبتغاها؛ نتج عن ذلك تشظي الأسرة الكبرى إلى عدة أُسَر، فغاب الجد والعم وربما الخال عن دوره في تربية الأبناء أو قل تأثيره، فزادت الأعباء على الأب والأم.

ومع تطور الحياة واتساع رقعتها، يضطر رب الأسرة عن الغياب لظروف العمل (أو الدراسة) لفترة قد تطول أو تقصر، فينتج عن ذلك آثارٌ سلبية.

إن غياب الزوج/ الأب تارة يكون غيابًا قسريًّا خارجًا عن إرادته كما إذا كان محتجزًا، وأخرى يكون اختياريًا، وهو الأكثر، وهذا (الاختياري) تارة يكون داخل الوطن وأخرى خارجه، لظروف الدراسة أو العمل، وأيضًا قد يكون الغياب قصيرًا لأيام أو متوسطًا لأسابيع أو طويلًا لشهور. كما أن الغياب قد يكون في بداية نشوء الأسرة في أول الزواج وأخرى في منتصفه وثالثة عند تقدم العمر.

في الأعم الأغلب، يكون الغياب خيارًا مُرًّا، إما لأنه لم يلقَ وظيفة مناسبة في بلده، أو أن فرص العمل أكثر في خارجه.

السؤال هنا:
ما الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة من هذا الغياب؟

من الآثار الإيجابية:
1- وضع الأسرة المادي سيكون مريحًا (غالبًا)، مثل بعض الموظفين الذين يغيبون شهرًا أو يزيد، حيث الدوام الطويل والشاق (يصل العمل إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم)، وفي أماكن بعيدة عن الحواضر، فيعوَّضون عن ذلك براتب مجزٍ، ينعكس على أسرته.
2-صقل شخصية الزوجة نتيجة تحملها أعباء إضافية في إدارة الأسرة، لتتمكن من مواجهة الحياة بصعوباتها وتقلباتها. إن الرخاء لا يصنع شخصية، والدعة لا تنمي مهارة، والزوجة يمكن أن تعد غياب زوجها عنها وعن الأولاد فرصة لتنمية مهاراتها في التربية والاقتصاد والإدارة.

أما الآثار السلبية:
1-التقصير في حق الفراش، وهو حق للزوجة (كما هو للزوج)، وقد يخلِّف آثارًا نفسية وذهنية وجسدية.
2- غياب دور الأب التربوي، المتمثل في التوجيه والمراقبة والمتابعة.
قد يحدث فلتان للأولاد في ظل هذا الغياب، ويسبب كوارث لا تُحمد عقباها.
3- ستتحمل الزوجة إدارة الأسرة، بما يحمل معنى الإدارة من معنى، والعبء عليها كبير جدًا، فعليها:
-الإدارة المادية من المأكل والمشرب ونحوهما.
-الدور التربوي. إن عليها أن تقوم بدورها أمًّا، وبدور زوجها أبًا.
– تعليم الأولاد، خصوصًا في سني دراستهم الأولى.
– علاج المشاكل الطارئة.
– توفير جو الأمان في البيت، وأقصد به إبعاد المخاطر المتوقعة من السراق والمجرمين ونحوهم.
إن هذه الأعباء الملقاة على كاهل الزوجة بحاجة إلى شخصية مؤهلة للقيام بذلك، بما تمتلك من سمات يجعلها تسد الفراغ الناتج من هذا الغياب.

ويمكن الحد من سلبية هذا الغياب بالتالي:
1-ليكن الغيابُ خيارًا أخيرًا بعد استنفاذ سبل البقاء في الجو الأسري.
2-دعم الزوجة نفسيًا وماديًا لكي تقوم بمسؤوليتها الثقيلة على أكمل وجه، ودوام الاتصال والمتابعة بها، وعدم إهمالها.
كما أن على الزوجة عدم نقل الأجواء السلبية لزوجها إلا في الحالات الطارئة والهامة، لكيلا ينعكس ذلك سلبًا على أدائه في عمله، وعيشه بقلق على أسرته.
3-تعويض الزوج/ الأب حين رجوعه، بزيادة الاهتمام العاطفي والنفسي والمادي، وتخصيص جل وقته لهم. إن بعض الآباء يفضِّل الديوانيات ليقضي فيها أوقاتًا ممتعة مع أصدقائه، في الوقت الذي تكون فيه الزوجة والأبناء أحوج ما يكونوا إليه.
4-اصطحاب الأب أسرته معه حيث يعمل، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

——–
*هذا المقال خلاصة نقاش مع بعض الأصدقاء.


error: المحتوي محمي