هل تربط؟

مالي أراك ودمع عينك جامد

أوَ ما سمعت بمحنة السجّاد

منذ البارحة وهذا البيت يتمثل أمام عيني من دون أن يقراه خطيب، وجاء بخاطري أكان مؤلفه يعيش زماننا ويرى مجالس الإمام السجاد (ع) ليستنهض من يبكي عليه، ولا أعلم هل دخل بأحد المجالس ليرى الفرق مثلما وجدته البارحة حين دخلت مجالس مصيبة الإمام السجاد والفرق الشاسع بين حضور الأمس بعاشوراء واليوم، مع العلم الذي لا يحتاج إلى تذكير أن مصاب عاشوراء تحكي مصاب استشهاد إمام معصوم، ونحن اليوم أيضًا نعيش مصاب فقد إمام معصوم كذلك.

فهل نحن نملك إمامًا واحدًا فقط، أو لا نعترف بالأئمة الباقية لنوليهم أهمية الحضور في محافل حزنهم وأفراحهم.

فإذا أجبنا أننا نملك الحسين فقط أو لأن مصاب الحسين عظيم، فالحسين ليس ملكنا فقط فهو خُلق رحمة الله للجميع، وبهذا لن يكون لدينا تميز بالولاء إن أخذناه وتركنا الأئمة من بعده.

الشيء المؤلم الذي قد يقال عنه بالقطيفي “يعور”، أن الإمام السجاد يعد آخر محارب يستشهد بعد واقعة الطف الذي حمل فصول آلامها خلال 35 سنة، فكانت الواقعة بعينه عند شربه وأكله وصلاته ونومه وكل ظروف الحياة لديه، فكان يكمل في ساحة جهاد أبيه الحسين وسلاحه كان البكاء والدعاء لتطهير أمة اقترفت أعظم جريمة بحق ابن بنت نبيها، فكان يحارب الأمراض الفاسدة ويحتمل على ظهره جراب الإنفاق لينفق على جنوده من الفقراء الذين كانت مهام تجنيدهم هي دعائهم القريب لله بالفرج والنصر لدين الإسلام الذي كادت تنمحى معالم الرحمة فيه.

ربما لا نستشعر ألم الإمام السجاد ومصابه جيدًا كوننا لم نعش ونقاسي ما قاسى، لهذا أنا أجد أنه كان خير معلم لإيصال المعلومة وتقريبها جيدًا، خاصة لأمثالنا ممن يفتقد الخيال ولا يعترف إلا بالشيء الملموس الذي يطرق باب حسه، فكان في كل طريق يعقد ربط بما جرى بكربلاء لتقريب فظاعة ما جرى للأذهان.

فها هو يسمع أحدهم ينادي أنا غريب، فيهّم المدرس الحكيم في سؤاله: “لو حصل ومت فهل تتوقع أن تُترك بدون تغسيل وكفن؟”، فقال: “أنا في بلاد المسلمين ولا أتوقع أن أترك بدون غسل ولا كفن”، فلا أعلم بأي نعي نعى والده حينها وهو يقول له: “إذن أنت لست غريب الغريب والدي”.

وفي موقف آخر يمرّ علی قصاب يذبح كبشًا له ويسأله: “هل سقيت الكبش “، فتبدو علامات الاستغراب والدهشة علی وجه القصاب ليقول له: “نحن من عادتنا معاشر القصابين لا نذبح الكبش حتی نسقيه الماء”، فيقول له (ع) وآلام الحسرة تعلو وجنتيه: “أو تدري إن والدي قتل كما تذبح الشاة ولم يسق من الماء”، فيبكي الحاضرون معه.

بعض المقارنات تكون مؤذية ولكن هي الأقرب لإيصال المعنى، لهذا سأختم بمقارنة سارت متجهة على خطى معلمنا الإمام السجاد حين علمنا ربط كل شيء بالحسين ومصابه.

اليوم وصلني خبر جثة ملقاة بسريرها على قارعة الطريق بأبها وهالني المنظر، ولا يهم من صاحب الجثة لأني أتوقع هذا الفعل يستنكره كل ناظر حتى لو كان صاحب الجثة ليهودي أو كافر، فالمنظر مؤذٍ ويدب مشاعر الخوف، وبربكم ما حال إمامنا السجاد وهو يرى جثة والده حين أتى لدفنها بعد ثلاثة أيام وهي لا تزال متناثرة الأعضاء لم يستعطف لمنظرها الدامي أحد ليغطيها برداء ساتر ليخفي فظاعة منظر مهما وصفت فيه فلن أصل لذرة من أذاه بعين الولد الذي يجد والده مذبوحًا لم يرق لحاله من قام بسلب ثيابه لتبقى جثته بالشمس عارية ثلاثة أيام دون مواراة.


error: المحتوي محمي