الأخلاق في المجتمعات الغربية

إن البعض يعتقد أن طبيعة الحياة في مجتمع الدول الغربية (أمريكا، وبريطانيا أو إحدى الدول الأوروبية) أفضل من بلادهم وهي بلاد الإسلام، بالفعل لا ننكر وجود إيجابيات في تلك الدول ولكن بالمقابل هناك سلبيات كثيرة جدًا لا تتناسب معنا كمسلمين، من خبرتي البسيطة فإنني أرى أن النقطة الوحيدة التي وجدتها تختلف عنا ونحتاجها بشدة في بلادنا هي توفير البيئة الدراسية المناسبة للطلاب، بغض النظر عن الجوانب الأخرى فإنني أركز وبقوة على هذا الجانب لأن هذا ما نفتقده فعليًا ونحتاجه في بلادنا. ربما يعارضني البعض بقولهم: إن في بلاد الغرب قوانين وأنظمة تحمي الفرد وتحمي حقوقه كإنسان، لا أستطيع أن أجزم بهذا المعتقد فمن الظاهر يبدو كذلك وأنا شخصيًا كنت أظن ذلك، لكن لو تعمقنا أكثر لوجدنا أن حقوقنا الإنسانية وحقوقنا كمسلمين لن نحصل عليها كاملة إلا في بلاد الإسلام، من تجربتي الشخصية كامرأة أؤكد أنني لم ولن أجد الأمان والاحترام والتقدير إلا في بلاد الإسلام الذي كرّم المرأة ورفع من شأنها، سأوضح لكم معنى كلامي بذكر بعض المواقف التي مرت أمامي أو حصلت لي شخصيًا.

في لحظة ما حينما وصل الباص وكنت حينها أنتظر في تلك المحطة الموجودة عند المكتبة، بينما كانت هناك سيدة عجوز مع عكازها وبالكاد كانت تستطيع المشي وكانت بجانبها سيدة أخرى تساعدها في الصعود للباص حيث كانت معها حقيبة كبيرة ذات عجلات تتبضع بها، وبينما نحن مستعدون لصعود الباص وإذا بسيدة محجبة تأتي مسرعةً وهي تتحدث بالهاتف وكأنها تريد أن تلحق بالباص كي لا يفوتها، حاولت هذه السيدة أن تدخل قبل الجميع فدفعتها تلك السيدة المرافقة للعجوز بيدها بكل قسوة وقالت لها بصوت عالٍ وقاسٍ: Go Go (اذهبي اذهبي)، لقد أنقصت من شأنها بأسلوبها المتعجرف وأحرجتها بشدة أمام الجميع وظلت تلك السيدة واقفة مذهولة وواضح عليها أنها كانت متأثرة جدًا من أسلوب تلك السيدة المتعجرفة وصعدت بعد ذلك للباص بعد أن صعد الجميع، من المؤسف أن نرى بعض المواقف التي تستنقص من الإنسان وتجرح المشاعر، إنني لا أقف دفاعًا عن تلك السيدة المحجبة فمن المهم جدًا اتباع النظام وكان يجب عليها أن تحترم جميع المنتظرين قبلها حين وصول الباص، ولكنني أستنكر بشدة فعل تلك المرأة القبيح التي كانت ترافق العجوز فكان يجب عليها أن تحترم تلك الإنسانة وتتحدث لها بأسلوب محترم حتى تلتفت لمن هم قبلها خصوصًا لكبار السن الذين يحتاجون لعناية ودعم.

موقف آخر حصل لي شخصيًا وكان أشبه بالعقاب فقد رسخ في دماغي وكأنه للتو يحصل لي، كنا يومها ضمن مجموعة من سبعة أشخاص أصغرهم عمره 5 سنوات، كنا يومها نتمشى في منطقة أخرى تبعد عن منطقتنا قرابة الساعة، صعدنا الباص وقد اقترح علينا السائق أن نأخذ تذكرة للمجموعة نستخدمها طول اليوم قيمتها 5 باوندات ولكنه لم يذكر لنا أن العدد في التذكرة يجب أن يكون ل 5 أشخاص فقط وأوصلنا للمكان المطلوب، بعدها احتجنا لأن نصعد باص آخر حتى نذهب لمكان بعيد عنا، رفعت التذكرة لسائق الباص ورآها ثم دخلنا جميعنا وصعدنا للطابق الثاني، وإذا بصوتٍ عالٍ جدًا لشخصٍ غاضب يتجه إلى الأعلى، تفاجأت حينها أن سائق الباص متقدمٌ جهتنا وهو يصرخ بأعلى صوته: أنتم 7 أشخاص ولم تدفعوا للاثنين المتبقين فقلنا له إننا لا علم لنا بالنظام فنحن جدد في هذه المنطقة فظل يصرخ ويصرخ دون أن يستمع لما نقول فقط كان يقول بصوت عالٍ لن يمشي الباص إلا بعد أن تدفعوا، فأخرجت من جيبي 10 باوندات لنعطيها السائق فقالت لي سيدة من ضمن الموجودين: إنه لا يوجد لديه فكة ولن يسمح لكم بالبقاء في الباص ولابد أن ندفع له المبلغ بالدقة، ثم سألنا السائق كم المطلوب منا وقال لكل شخص باوند واحد و20 بنس – والحمد لله – كان يوجد لدينا فكة حتى نتمكن من الذهاب وقتها وإلا كان سيُنزِلنا من الباص، لقد شعرت بالضيق يومها وقد تمنيت أنني قد نزلت مع المجموعة من ذلك الباص حينها وأخذنا باص آخر ولكن للأسف ذلك لم يحصل لضيق الوقت، لقد كنت غاضبةً جدًا لأنه ليس من حق ذلك السائق أن يرفع صوته تجاهنا حتى لو كنا مخطئين وكان يجب عليه احترامنا واحترام الناس المتواجدين بالباص واحترام مهنته كسائق، مهما يحصل فالحياة مستمرة وقد اعتبرت ذلك الموقف درسًا لي بالرغم من قسوته وصرت دقيقةً جدًا في التعامل مع مثل تلك المواقف.

وفي جعبتي المزيد ولكنني لن أتمكن من سردها كلها هنا وأنا واثقة تمامًا بالرغم من وجود مثل هذه المواقف اللاإنسانية، بالمقابل توجد مواقف أخرى نبيلة لا تُنسى، ذات يوم كنت سأذهب إلى سنتر المدينة وطلبت من سائق الباص أن يعطيني نوعًا من التذاكر ليوم كامل اسمها Day Ticket وتعني تذكرة اليوم الكامل وسعرها تقريبًا 4 باوندات و30 بنسًا وفائدتها أنني أستطيع استخدامها لصعود أكثر من باص واحد، وبعد الشرح بالتفصيل لم يعطني السائق ما أريد وأعطاني single ticket وتعني التذكرة الفردية فقط للذهاب بالباص دون العودة وسعرها تقريبًا باوند واحد و70 بنسًا، وعندما قلت له: لم أكن أريد هذه فقال لي: إنه لا يستطيع تبديلها بعد أن أصدرها فأخذتها ومشيت ولم أنطق بكلمةٍ واحدة كالمعتاد، بعد ذلك سمعت صوت صراخٍ لشخص جاء بعدي وصعد بالطابق الثاني حيث كنت أجلس وكان يصعد الدرج وهو يشتم ويسب بصوتٍ عالٍ، لم أفهم شيئًا إلا بعد أن قام ذلك الشخص وقت وصوله لينزل من الباص حيث اتجه نحوي وأعطاني تذكرته وكانت تذكرته من نفس النوع التي كنت أريد Day Ticket فطلب مني أن استخدمها لأنه لا يحتاجها فقد وصل منزله، ففهمت بعدها أنه شتم السائق من أجلي لأنه لم يعطني التذكرة التي أريد، لقد ذُهِلتُ جدًا من موقفه النبيل وشكرته.

إن الأخلاق الكريمة هي أساس رقي الأمم والمجتمعات وتقدمها، فأمةٌ بلا أخلاق هي حتمًا فاسدة ومنتهية، فالأخلاق جدًا ضرورية في التعامل بين أفراد المجتمع حتى تسود الألفة والمحبة مما يؤدي إلى ترابط المجتمع وعدم تفككه، يقول الشاعر:

وإنما الأمـم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا


error: المحتوي محمي