رفد علاقاتي

تقييم علاقاتنا بالآخرين وما نحمله من مشاعر تجاه ظروفهم وأحوالهم، يضعنا على السكة الصحيحة والخالية من التبلد الحسي أو ما يقابله التنمر العدواني.

اختلاس جزء من الوقت لنخلوا بأنفسنا فنستخرج منها إجابات مهمة على أسئلة تدور في أذهاننا، يعطينا ومضًا وأفكارًا معينة عن حقيقة مشاعرنا ومواقفنا، فنقيمها بما نخرج معه بقرارات تضيف قوة وجمالًا في حواراتنا وانتقاء عباراتنا بعيدًا عن جرح الآخرين، ويحسن من علاقاتنا عندما نبدي اهتمامًا أكثر والتفاتًا لبعض التصرفات الصادرة منا، والتي تسبب ضيقًا ونفورًا منا مما يؤثر على متانتها و استقرارها، وهذا ما يؤكد على أهمية إعادة الحسابات ومراجعة أفعالنا بنحو مستمر يعود علينا بالتقدم والتطوير وفتح آفاق جديدة.

لنلتفت إلى مشاركتنا الوجدانية مع الآخرين ومدى إحساسنا بما يسبب لهم ألمًا وسوءًا في أحوالهم، فأبسط أبجديات العلاقات الناجحة هو البحث عن النقاط المشتركة وإيجاد أرضية للتواصل والتحاور، فاهتمامات الآخر موضع جاذبية وإقبال عليك إن أثرتها وأثريتها وأدرت نقاشًا مشوقًا حولها، وذلك أن الآخر ينطلق بتلهف ليحدث بما يميل إليه ويستهويه، كما يشعر بتقدير منك لاهتماماته وهذا ما يقوي العلاقة بينكما وينميها بشكل جيد.

ومشاركته همومه وتطلعاته المستقبلية يضفي عليه أمانًا وطمأنينة وثقة وطموحًا يدفعه نحو المزيد من العمل المثابر والنجاح، كما أنه في اللحظات العصيبة بسبب أزمة أو خبر سيئ أو إخفاق يحتاج إلى من يقف إلى جانبه ويسانده ويخفف عنه الهموم، فهذه المشاركة الوجدانية لها دور كبير في زرع المحبة والاحترام لمن يبديها، ويبقى من حوله يرونه مفزعًا يلوذون به ويشكون له آلامهم ويبثون تطلعاتهم.

وضبط انفعالاتنا وخصوصًا في أوقات التعب النفسي والجسدي والخلاف والحوار الساخن، يجنبنا التوترات والمناكفات وما يتلوها من تجاهل وكراهيات وقطيعة، فمهما كان حجم الإساءة أو سوء الفهم الحاصل فإن الدخول في نفق الخلافات المظلم يستنزف قوانا ويجعلنا منبوذين في محيطنا الاجتماعي.

وقناعتك بعطايا رب العالمين وتقسيمه الأرزاق بحسب حكمته يبعدك عن آفة الحسد ومقارنة الحال السلبية بالآخرين، والتي تختلط فيها الآمال بمشاعر الغيظ والحسد بما يملأ قلبه بنفور تجاههم، ولا يريح قلبه من تفاوت الأحوال وتفوق وتميز البعض إلا القناعة بالرزق، وهذا لا يقلل من طموحه وجده في ميادين العمل بل يدفعه نحو المنافسة الشريفة.

والحياة الفاضلة المثالية لا وجود لها في واقعنا، فلا تتوقع من الجميع الطيبة والشهامة وصنع المعروف والصدق، ولكن هناك أطياف وتلاوين اجتماعية تجمع ما بين الطيب والمخادع، والمتسامح والحقود.

وهذا ما يملي علينا تعاملًا واقعيًا لا ننخدع فيه بيوم جميل تترى فيه علينا الأخبار الجميلة، ولا نعطي كامل ثقتنا بأحد دون أن تبلو لنا الأيام حقيقة مواقفه تجاهنا، ولا نتوقع الكثير من المساندة ولا نرفع سقف آمالنا بتوقع إحاطة من حولنا برعايتهم وعطفهم، بل نجعل حائط الصد لأزماتنا بعد الاتكال على الله تعالى الاعتماد على وعينا وقدراتنا.

والنقد الإيجابي والتوجيه الرقيق حضور اجتماعي مرحب به ما بين العقلاء، ووجه حضاري مشرق يبزغ منه الرقي الثقافي والحنكة في التفكير، ولا يتأتى ذلك إلا من شخصية قوية جريئة في الإفصاح عن مواقفها بلا مجاملة مقيتة تضيع البوصلة عن الحقائق، ويتوجب علينا الحفاظ على الود والاحترام لمن ننصحهم ونحاورهم مهما كانت قناعتهم بما نقول، فتبادل الأحاديث استعراض للأفكار وليس بساحة صراع وتحقيق انتصارات وهمية .


error: المحتوي محمي