طالب الدكتور مهدي الطاهر بالعمل على التخطيط لبناء مستقبل الأبناء، وتقديم الرعاية والتربية المتزنة التي تكون منذ سنوات الثلاثة الأولى من عمرهم، ليعيشوا حالة من الاستقرار النفسي والاجتماعي، بخلق علاقات إيجابية مع أنفسهم والآخرين، تناسب التغير الذي يمرون به عبر سنوات عمرهم، والتي تظهر في النمو الجسمي، وتعلم القيم بما تحمل من قناعات فكرية، وانفعالات سلوكية مكتسبة.
جاء ذلك في المحاضرة التربوية “بنية الشخصية المستقبلية”، التي قدمها الدكتور في علم النفس مهدي الطاهر، خلال استضافته في منتدى الخط الحضاري، في أولى محاضرات موسمه الجديد، يوم الخميس 17 محرم 1440هـ، بمقر المنتدى بالقطيف.
وأدار دفة الحوار للمحاضرة؛ الاختصاصي الاجتماعي جعفر العيد، مستهلًا حديثه بالتعريف بـ”الطاهر” وذكر إنجازاته العلمية والعملية، وكذلك مبادراته على صعيد العمل التطوعي، بحضور 45 شخصًا، من المهتمين والمهتمات بالجانب التربوي والثقافي في المجتمع.
وأكد “الطاهر” تأثر شخصية فرد بالوراثة والنشأة الأسرية والاجتماعية، مع الأخذ بالبُعد الثقافي السائد في المجتمع، بالإضافة إلى المدرسة والتقنية التكنولوجيا وما تحمل من وسائل اتصال مع العالم بشكل عام.
وانتقد حالة التداخل لمفهوم التربية التي تعتمد على غرس القيم والمفاهيم الأخلاقية، والرعاية التي تأخذ بالاهتمام المادي وإشباع الرغبات فقط، كما أن الوالدين يقومان بالرعاية أكثر من التربية، في حين أن البنية التربوية الشخصية تعتمد على التربية والرعاية والتعليم، وبصورة مترابطة فيما بينهم.
واستعرض “الطاهر” تاريخ مفهوم الشخصية وفق النظريات العلمية، وكيف تطورت على يد العلماء من؛ أفلاطون، وديكارت، وابن سيناء، ولمبروزاو، والتي تحدثت عن الشخصية ضمن البُعد التربوي والبيئي، لافتًا إلى النظرية السلوكية الإنسانية المعرفية التي تنظر إلى تكوين الشخصية على أن له بُعدًا فكريًا وجسميًا ونفسيًا، مع دور التلقين فيها.
وأرجع أسباب اختلاف الشخصيات بين الناس إلى: التفضيل الشخصي، والوراثة، والبيئة، مفسرًا ظهور “الأنا”، والتي تكون في تغيير السلوكيات، وتؤثر على السلوك في مرحلة الشباب، والحياة الزوجية، وتستمر لمرحلة الشيخوخة.
وشدد “الطاهر” على أهمية المعاملة الوالدية في إيجاد القدوة الثابتة، ودورهما في بناء القيم والتمييز بين المفاهيم؛ التسامح والتسلط، والحب والعداء، والاطمئنان والخوف الزائد، والتفاهم والقلق، ذاكرًا مسببات اضطرابات الشخصية في الطفولة وهي؛ إساءة المعاملة، وفصله عن الرعاية، والتفكك، والإهمال.
ونوه بتشكيل الضمير عند الفرد الذي يكون منذ الصغر من خلال الشعور بالأنا وإدراك النفس عبر التفاعل مع البيئة، كما أنه يكون بالتعلم والممارسة والتفاعل مع البيئة، فيما تتحدد الهوية بتقمص السلوك بكل ثقة بوجود القدوة.
وتطرق في حديثه إلى ملامح بنية الضمير الإيجابي بالعمل على؛ التفريق بين الصواب والخطأ، والقدرة على التعاطف مع الآخرين، وعدم المخالفة الأخلاقية، والشعور بالندم، والرضا بالمسؤولية، وختم بقوله: “الشخصية عنصر مهم تؤدي إلى تكامل الحياة، مع النظر إلى الجذور الوراثية والمكتسبة، في حين أن الوالدين يريدان “سوبر طفل” و”سوبر شاب”.
وتعددت المداخلات من الحضور التي كانت تصبو لتوضيح بعض المحاور التي وردت في السياق الذي تحدث عنه الدكتور، فكان سؤال عبد الوهاب الفارس: “إلى متى يحتاج الأبناء إلى تربية مع كبرهم؟”، فأجابه “الطاهر” بأن الأبناء مع مرور السنوات يحتاجون إلى حالة من التذكير والتوجيه والوعظ وسط ما يعاني البعض من أسلوب اعتمادي.
وسأل عبد الرسول الغريافي حول: “الشخصية السوية هل يمكن أن ينحرف مسارها؟”، فأجاب: “إن تغيير أو ثبات السلوك لأي شخصية أمر نسبي، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، ومع تغيير قناعاته مع مرور الزمن، مع ذلك يمكن تعديلها معرفيًا، وهنا يظهر اتجاه “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
من جانب آخر، شهد مقر منتدى الخط الحضاري إعلان رئيس المنتدى فؤاد نصر الله تدشين “مجلة إبداعات”، في عددها الأول، وهي فصلية ثقافية أدبية ونقدية، يصدرها منتدى الخط الثقافي بالقطيف، وتقع في 220 صفحة.
وتشكل المجلة محتوى فسيفسائيًا أدبيًا من الأنماط الأدبية التي تترجم واقع الأدب في العالم العربي من؛ قصة قصيرة، وقصة قصيرة جدًا، والمقال، والشعر.
وقدم الكاتب خليل الفزيع كلمة حول المجلة، حيث اعتبر أن إصدارها برئاسة تحرير فؤاد نصر الله إضافة نوعية للمشهد الثقافي في محافظة القطيف والمملكة لتمتد للعالم العربي، لما تتضمن من تنوع أدبي خصب للنخب الأدبية في العالم العربي.