نظم منتدى الثلاثاء الثقافي، مساء يوم الثلاثاء 15 محرم 1440هـ، أمسية وطنية بعنوان “في رحاب الوطن.. تجارب في التعايش والتواصل”.
وتضمنت الأمسية عرضًا لتجارب وطنية لعدد من الشخصيات الاجتماعية من مختلف المناطق، كما شملت معرضًا تشكيليًا للفنانة زينب آل يوسف التي تحدثت عن تجربتها الفنية.
وتم خلال الحفل تكريم الدكتورة فاطمة آل قريش، الحاصلة على شهادات في طب مخ وأعصاب الأطفال وتخصص الصرع وتخطيط الدماغ، ورشحت كأفضل طبيبة زمالة لعام 2016/2017 من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، وشملت فعاليات الحفل أيضًا عرض كتاب “الإسلام والتعدد الحضاري” للعلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي.
وبدأت الأمسية بمشاهدة الفيلم الخاص بمناسبة اليوم الوطني، ثم افتتح البرنامج عريف الحفل أمين الصفار، عضو إدارة المنتدى، مرحبًا بجميع المشاركين والحضور، مشيدًا بـما تشهده البلاد في عيدها الثامن والثمانين من تحولات في مختلف الأبعاد.
وفي أولى فقرات الحفل، ألقى المشرف العام للمنتدى جعفر الشايب كلمة منتدى الثلاثاء، وأكد أن المنتدى ارتأى أن يحتفي باليوم الوطني عبر ملامسة التجارب الإنسانية في التواصل والتعايش بين مكونات المجتمع السعوي ومقاربتها من مختلف الجوانب، موضحًا أن “هذه التجارب الجميلة والثرية لم يتم تسليط الضوء عليها، فدائمًا ما نتغنى بالماضي الجميل الذي كان فيه أبناء الجيل السابق يتواصلون بكل أريحية وعفوية وانسجام، بينما توجد أمامنا تجارب عديدة وثرية من التواصل والتعايش، ينبغي علينا أن نبني ونؤسس عليها كي تكون نماذج ناصعة من التفاعل البيني في المجتمع”.
ودعا “الشايب” إلى توثيق هذه التجارب وبثها بين أبناء الجيل الحاضر، لتكون الدافع لتعزيز اللحمة الوطنية ومواجهة التحديات القائمة، وتحول دون السماح للأصوات المتطرفة بأن تحرف مسار الوحدة الوطنية تحت أي مسمى وشعار، مؤكدًا أن منتدى الثلاثاء الثقافي كان ولا يزال يسعى لتعزيز الحوار والتثقيف حول مختلف القضايا والمواضيع المتعلقة بالشأن الوطني عبر استضافة شخصيات كفؤة من مختلف المناطق والتوجهات.
بعد ذلك، تحدث مدير فرع مركز الحوار الوطني بالشرقية الدكتور خالد البديوي، حيث قدم شرحًا موجزًا عن تجربة المركز في تعزيز فكرة التعايش والسلم المجتمعي عبر برنامج “نسيج”، والذي يتشكل من ثلاثة مسارات؛ الأول البرنامج الموجه لشريحة الشباب ممن يقل عمره عن ثلاثين عامًا تحت مسمى “برنامج الحوار المجتمعي”، والذي يعتمد على فكرة سرد الوقائع المعاشة في بعض مناطق العالم كدارفور ورواندا وغيرها مما تعانيه من حروب وتشرذم نتيجة فقدانها لحالة الحوار والتعايش بين مكوناتها القبلية والدينية.
وأوضح “البديوي” أن المسار الثاني موجه للكوادر التعليمية لتعزيز دورهم في نشر ثقافة السلم المجتمعي، وقد استفاد من هذا البرنامج حتى الآن 265 تربويًا، أما المسار الثالث فهو موجه للأكاديميين، ويطمح البرنامج لتنشيط هذه الشريحة التي هي على تماس وتواصل مباشر مع طبقة الشباب، وهم الفئة التي يخشى عليها الانجراف وراء دعوات تمزيق النسيج الاجتماعي والوطني.
ثم علت المنصة الدكتورة مريم سعود بوبشيت، المشرف العام على مركز “مريم بوبشيت للاستشارات التربوية”، وقالت في ورقتها إن نشأتها كانت في مدينة الدمام التي ضمت الكثير من أبناء مناطق المجتمع السعودي بسبب العمل، وإن مجاورتها لمحافظة القطيف شكلت في وجدانها مشاعر الأخوة والتعايش، كما أن تجربتها في مجال التدريس الابتدائي والمتوسط في منطقة القطيف عززت لديها تلك الثقافة والمشاعر.
واعتبرت “بوبشيت” أن تلك المرحلة من العمل الوظيفي منحتها فرصة التعامل الإيجابي والمباشر مع الطالبات وعائلاتهن، مما ساعدها على تطوير ونضج تجربتها الإدارية والثقافية، مشيرة إلى أن عهدها الوظيفي الذهبي كان في المتوسطة الأولى بسيهات، حيث خرجت ثلاث عشرة دفعة من خيرة الطالبات خلقًا وعلمًا، كما عبرت عن اعتزازها بخدمة الوطن في مجال التعليم في أكثر من مدينة بالشرقية، الأمر الذي كشف لها سهولة التلاحم والانسجام بين مكونات الوطن، داعية الجميع للإصرار على حالة التعايش لأنه الضمانة الأكيدة للمستقبل الزاهر.
وكان للشعر صداه في هذه المناسبة الوطنية، حيث صدح الشاعر الأديب فريد بن عبد الله النمر بمقطوعات شعرية ذات حس وطني، فجاء في قصيدته “يحيرني الكلام”:
الآن أفرغْني بكل خلية حبلى تشير إلى الرؤى
هذا مداك أصالة سمراء تنبت داخلي
حسبي به البحر المغني بثقله
حسبي به تمر المودة بيننا
الآن وحدني على الروح الهيام
ولكي أراك على صباح مشاعري
لغة تؤازر لحظة العزف الشفيف
أحتاج أن ألج المناطق كلها في روحك الشغفى
لغدٍ يباركه الندى..
فاشرح لخارطة الهوى لحنا بسرك يُستدام
هذا أنا نخل قطيفي يطيل غناءه
والأرض حب فارع كالبحر في قلبي
إذا تشربك الجمال كما الندامى في العمق
يفصحنا الختام
ما اشهى تربك يا وطن.. وما أغلى ظلك يا وطن
بعد ذلك، قدمت حمدة الغامدي مشاركة صوتية، متحدثة عن تجربتها في التدريس بمنطقة القطيف، حيث قدمت إليها وهي لا تعرف عن المحافظة إلا اسمها، ورغم ذلك عقدت العزم على تحمل الغربة والمسئولية الوطنية في منطقة كانت مجهولة لديها، غير أنها تفاجأت بسرعة الانسجام مع الجميع من طاقم التدريس والطالبات والأهالي.
ونوهت “الغامدي” بأن خلاصة تجربتها الوظيفية والاجتماعية ساعدتها على اكتشاف ثروة وجمال التنوع والاختلاف في المجتمعات، واصفة حب الآخر المختلف بأنه رقي وحضارة، الأمر الذي شجعها على أن تتوسع في علاقاتها الاجتماعية بحضور المناسبات الاجتماعية المختلفة، وهي لا تزال تكن لعشرات الأسماء المودة والاعتزاز، مؤكدة أن هذا الوطن قادر على احتضان جميع الأطياف.
وشارك أيضًا الشيخ فرحان الشمري، وهو شخصية اجتماعية من منطقة حائل، حيث تحدث مرتجلًا بهذه المناسبة عن تجربته في التعايش، بالإشارة إلى أن تجربة عمله وانتقاله للمنطقة الشرقية دفعت به للاختلاط بمختلف المكونات المجتمعية من العاملين معه، وسط خلفية وصورة ذهنية سلبية كان يحملها عن المجتمع المحلي، خاصة أبناء الشيعة، وعلى مدى سنوات ومن خلال عدة مواقف وزيارات اتضحت له الرؤية شيئًا فشيء، وتأكد من عدم صواب تلك الخلفية المليئة بالشك والريبة.
وذكر “الشمري” أن من أهم العوامل التي وضعت حدًا لتلك الهواجس وعززت لديه روح التعايش والتواصل؛ زيارته لبعض أهالي وشخصيات منطقة القطيف.
وعبر عن احترامه وتقديره لدور المنتدى بقوله إنه منحه أفضل فرصة للتعرف على كثير من الأشخاص الذين يتمتعون بوعي وفكر متوازن ومعتدل، موجهًا رسالته ونصحه بأهمية الإصرار على التعايش وتحطيم أسوار الهواجس والريبة التي اكتشف بالمعايشة أنها أوهام تفصل بين أخوة الدين والدم والوطن.
وكان الحضور على موعد مع الفنان علي السبع، الذي سرد على الحضور مواقف من تجربته الفنية، منها لقاؤه مع مدير أمريكي تبين له فيما بعد أنه عربي الأصل غادر وطنه منذ أربعين عامًا وحمل الجنسية الأمريكية، وكانت المفاجأة حينما بث له هذا الأمريكي همه وندمه على ترك وطنه، لما شعر به من فقدان المجتمع هناك لحالة التماسك العائلي والمودة بين أفرادها، مشيرًا إلى نعمة العيش في وطن يسوده الأمن وتقارب النسيج الاجتماعي والأسري.
ووجه “السبع” عتابًا إلى شريحة المعلمين على تقصيرهم في تعزيز حب الوطن لدى أبنائهم الطلبة، من خلال الحفاظ على السلم المجتمعي، والاهتمام بالممتلكات العامة، وعدم تشويهها بالأعمال اللامسئولة.
وكان آخر المشاركين هو محمد العسكر، الذي أكد أن الوطن بخير إذا تمت ترجمة الأقوال إلى أفعال، منبهًا الجميع لخطر الفكر التكفيري الذي قد يكون كامنًا ومستترًا، مشيدًا بأهالي نجران في نهجهم التعايشي، داعيًا جميع أطياف المجتمع السعودي إلى الحرص على تطوير وإعلاء صور التلاحم والتعايش، وتعزيزها على مستوى الفعل والواقع وليس فقط على مستوى الكتابة والأقوال.
وفي نهاية الأمسية، قدم ضيف الشرف المهندس عبد الشهيد السني، الدروع التذكارية للمشاركين، داعيًا المجتمع لتعزيز مفهوم المحبة بين أطيافه، والذي يعتقد أنه أوسع وأشمل من مفهوم التعايش، قائلاً إن المحبة تحتاج إلى فهم عميق وسيكولوجية مختلفة تؤمن بالتمسك بها، مشيدًا بدور منتدى الثلاثاء الثقافي على هذا الصعيد.