الصمت أبلغ من الكلام في معظم الأحيان، ولذلك على المرء أن يسأل نفسه قبل أن يتحدث مع الآخرين: هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد ما يستدعي الكلام تكلم، وإلا فالصمت أولى به، قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): “لا تتكلم بكل ما تعلم، فكفى بذلك جهلًا”.
بين فينة وأخرى يعلن العلماء في الدول المتقدمة نهاية لمرض ما كان يهدد ملايين البشر في العالم، وفي مجتمعاتنا هناك مرض اسمه “الكراهية” للأسف لم يعلن الناس نهاية له!
إن الله تعالى جاء بالأديان السماوية وترك لعباده الحرية في اعتناق ما يحبون منها والالتزام بقيم وقوانين كل ديانة، فهو الرب وهو من يحاسب العباد كل حسب ديانته، فلا يحق للعبد محاسبة الآخرين نيابة عنه (عز وجل) في هذه الدنيا.
لكل إنسان الحرية فيما يقول أو يفعل من خير مع الآخرين، أو أن يصمت في حال لم يستطع فعل ذلك، وكي لا تبدأ نقطة الخلاف في حال القول أو الكلام عن عيوب الآخرين، فلماذا إذا ذكر شخص لا تستهويه أنفسنا أخرجنا عيوبه وتركنا محاسنه تحت أقدامنا؟ ولماذا توجد فينا هذه الخصلة المشينة ونحن نقرأ ونسمع الحديث كل يوم “قل خيرًا أو اصمت”.
اللسان من الجوارح شديدة الخطورة والذي تعتريه الكثير من الآفات والموبقات الواجب اجتنابها والحذر منها، كالدخول في أي حديث وأي كلام بلا حساب ولا تدبر ولا وعي، وترك الجدال والمماراة، والسب، واللعن، وكذلك الكذب الذي هو من أعظم الخطايا، وإننا في المجتمع كثيرًا ما نبحث عن نقاط الخلاف التي نختلف فيها، بيني وبين صديقي، بيني وبين جاري، بيني وبين عائلتي، وننسى النقاط التي تجمعنا على الخير والمحبة!
“الغيبة” هي أكثر الآفات شيوعًا واللسان أسرع إليها من غيرها، وهي أيضًا من أعظم الآفات وأشدها خطرًا وأقبحها شكلًا حتى لقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل الجيف قال تعالى: “ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه” وأن عاقبة الغيبة هي الخروج من ولاية الله وحتى الشيطان لا يقبل المغتاب في ولايته فقد ورد: “من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط عن أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله”.
الله (عز وجل) والرسول محمد (ص) وأهل بيته (ع) لم يتركوا الناس حيارى في علاج هذه الآفة الخطيرة، بل بينوا علاجها لهم وهو العلاج الذي يكون بالصمت والسكوت كما قال أمير المؤمنين علي (ع) في نهج البلاغة: “واجعلوا اللسان واحدًا وليخزن الرجل لسانه فإن هذا اللسان جموح بصاحبه والله ما أرى عبدًا يتقى تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه”.
إن التفكر قبل الكلام هو علاج لكل آفات اللسان فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: “وإن لسان المؤمن وراء قلبه وإن قلب المنافق من وراء لسانه لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه فإن كان خيرًا أبداه وإن كان شرًا واراه، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه”.
خلاصة الكلام هي: أن الله تعالى قال: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”.