كل من قرأ الحسين (ع) قرأ موسوعة من القيم والمثل، قرأ فكرًا يتغلغل إلى أعماق الإنسان، قرأ أخلاقًا عظيمة ورثها من جده المصطفى (ص) صاحب الخلق العظيم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وأبيه أمير المؤمنين (ع).
قال عنه علي جلال الحسيني: “جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، من علوّ الهمّة، ومنتهى الشجاعة، وأقصى غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحقّ، والنهي عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن عزّ، والعدل، والصبر، والحلم، والعفاف، والمروءة، والورع وغيرها” (1).
وما أحوجنا إلى قراءة منهج أهل البيت الأخلاقي، لنقتبس منه رؤى تعيد الحياة لحياتنا الاجتماعية، فما نراه من مشاكل اجتماعية (زوجية، وأصدقاء، وجيران، …) هي بسبب بعدنا عن منهجهم الأخلاقي.
وهنا نود قراءة الإمام الحسين (خلقًا عظيمًا)، قراءة تطبيقية، قراءة المقتدين والسائرين على نهجه، ومن المظاهر الأخلاقية الحسينية الخالدة نذكر:
الإمام الحسين (ع)… حليمًا
الحليم هو ذلك الشخص القادر على ضبط نفسه، مسيطرًا على غضبه، متجاوزًا السيئة إلى الحسنة، فهو يمتلك “إدارة الأعصاب” ويتصرف بحكمة، وعقلانية، مهما كانت المواقف الاستفزازية، وهذا ما نجده جليًا في سيرة الإمام الحسين (ع)، فقد روي أنّ غلامًا له جنى جنايةً كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلًا: يا مولاي والكاظمين الغيظ، فقال (عليه السلام): خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقال (عليه السلام): قد عفوت عنك، قال: يا مولاي والله يحب المحسنين، فقال عليه السلام: أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطك” (2).
ولا شك أن من يتصف بهذه الصفة فإنه يحظى بمحبة الناس، واحترامهم، ومن لا يدع للشحناء والبغضاء موقعًا في قلبه، ويعفو ويصفح عمن أساء إليه، فهو ذو خلق عظيم.
الإمام الحسين.. رجل التسامح
قبول العذر والتسامح هي صفة من صفات العظماء، ومن شيم العقلاء، وتدل على صفاء النفس، وتجاوز صفة (تجميع الأخطاء) وتمتع هذه الشخصية بمساحة واسعة من “المسامحة” وهذا يدل على النفس الإيجابية.
وفي هذا الصدد روي عنه (عليه السلام) أنّه قال: “لو شتمني رجل في هذه الأُذن – وأومأ إلى اليمنى – واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حدّثني أنّه سمع جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محق أو مبطل” (3).
لذلك عليك ألا تقفل باب قبول العذر فيمن جاءك معتذرًا. وأشعر الآخر بقبولك لعذره بابتسامة صادقة، واشكره لهذه المبادرة، والتعاون معه في بدء صفحة جديدة.
الإمام الحسين.. رجل عطاء
الإمام الحسين (ع) رجل مواقف في مختلف المجالات، ففي الصعاب والمحن تجده حاضرًا، معينًا للضعفاء، مواسيًا للفقراء، معالجًا لقضايا مجتمعه، واقفًا على نقاط الضعف الاجتماعي، وواضعًا أنجح الخطط العلاجية لها.
لقد كان (عليه السلام معايشًا لأوضاع الفقراء والمحتاجين، وكان (ع) يساهم في حل أزماتهم المالية، وكان يعطف ويكرم الجميع دون استثناء وبعيدًا عن الانتماءات، وفي هذا الصدد روي أنّه وقف (عليه السلام) ليقضي دين أسامة بن زيد وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه، رغم أنّ أسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ لأبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
وهذا يدعونا لأن نكون من أهل الخير والعطاء، فتكون لنا مشاركة مع الجهات الخيرية، ونساهم في مساعدة الضعفاء وتفريج همهم وإعانتهم على قضاء حوائجهم.
هذا غيض من فيض أخلاق الإمام الحسين (ع)، وما أحوجنا لنتعلم منه القيم والأخلاق والمبادئ والأخلاق الفاضلة والسلوك السوي والسيرة المستقيمة.
الهوامش:
( 1 ) أعلام الهداية، الإمام الحسين ص 33.
( 2 ) المصدر السابق ص 39.
( 3 ) المصدر السابق ص 39.
( 4 ) المصدر السابق ص 40.