الجش.. المنصور «ملاية» بقدرات خاصة.. ورم الـ12 قادها للقراءة الحسينية والتأليف

رعشة في الأطراف وعدم اتزان في المشي وصعوبة في النظر، أيضًا شلل في الوجه.. كل ذلك تمكنت “أنيسة المنصور” من التغلب عليه لتنخرط بعدها في الخدمة الحسينية، على الرغم من أن التغلب على مثل تلك الأمراض كان مشوارًا صعبًا وطويلًا، ومع فقدان تعليمها في المدرسة بعد الابتدائية، إلا أن التأليف وحب الكتابة الحسينية لم يتوقف بتوقف التعلم، فقد ارتبطت به ارتباطًا وثيقًا، جعلها تؤمن بقدراتها لتواصل مشوارها فيه دون توقف.

“أنيسة” شابة في العقد الرابع من العمر، هي قارئة بقدرات قد يتعجب البعض حين يراها للمرة الأولى، وهي تمسك بكتب القراءة الحسينية جاهدة في محاولة لموازنتها أو اقتناص أحرفها.

في حديثها لـ«القطيف اليوم»، نستمع إلى قصتها عبر سطور تحكي معاناتها ودخولها للتأليف وكتابة القصائد والأبوذيات في حق آل البيت “عليهم السلام”.

أسرة عرفت بالخدمة الحسينية
“المنصور” المنحدرة من بلدة الجش، هي من أسرة عُرف بعض أفرادها بالخدمة الحسينية، بدءًا من جدها، ثم أختها الكبرى صباح “أم حسين القمر”، وهي التي شجعتها ووقفت بجانبها منذ البداية، وكذلك عمها وأبناء عمومتها وأكبر الشخصيات في العائلة يصدحون بحناجرهم لخدمة الحسين، وما زالوا على هذا الخطى، منهم الملا عيسى الشريف وأبناؤه.

بدأت القراءة عام 1419، وفي العشرين من عمرها بدأت تحيي مجلسًا بنفسها، عند سؤالنا: “كيف بدأ شغفك بالكتابة والتأليف؟”، أجابت: “كان لمحاضرات العلامة الوائلي أثرها، فطالما سمعته وهو يقول إن كتابة حرف في حق الحسين له من الفضل عند الله، ومنه انطلقت من كلمات تشدني إلى أي قصيدة، وكنت غالبًا أكتب النعي في حق الأئمة الأطهار، وبعدها أصبحت تجذبني الأبوذيات، ومن كلمة أجد نفسي أسرد كتابات، حتى أنني في بعض الأحيان أكون نائمة وأفيق من النوم لكتابة شيء عالق في ذهني وقت نومي، وإن كانت الغرفة مظلمة بجانبي دفتر وقلم وأفك الرموز لاحقًا لأتمم الكتابة وأنسقها”.

ورم غيَّر حياتها
وعن حالتها الصحية قالت: أصابني ورم في الرأس وأنا في الصف الخامس، ولم أكن أعلم، كنت في الثامنة من عمري وأحسست بصداع، وكانت المهدئات من المستشفيات المجاورة الحل الذي أتممت به ثلاث سنوات، وبعدها بدأت أشعر بزغللة عيوني ورعشات أعصاب يدي، وانتقلت لمستشفى الدمام المركزي، ومنه نقلوني إلى المستشفى التعليمي بالخبر وتم تنويمي، وحينها وسائل التواصل أعلمت أسرتي بما اكتشفوه بالأشعة والتحاليل، حيث تم اكتشاف الورم في المخيخ.

وتابعت: جاءني الدكتور المشرف على حالتي وما زلت أتذكر اسمه، وطلب مني التوقيع للبدء في العملية، ولم يفصل ما هي الحالة وأين ستجرى العملية وفي أي جزء من جسدي، كنت حينها في عمر 12 سنة 1405 هـ، وبعد إنهاء العملية وجدت نفسي في غرفة العناية المركزة تحت التخدير 24 يومًا، حتى ظن أهلي أنني توفيت، وكان والدي يأتي بين الحين والآخر بدفتر العائلة لإنهاء إجراءات الوفاة، إلى هذا الحد كان جسدي تحت أجهزة ومغذيات وعينان لا تغمضان.

ماذا بعد العملية
وبعد اليوم 25، أخرجوني من العناية ولا أرى بعيوني غير السواد، ولكن كأن الأيام التي مضت لحظة وكأنها قبل ساعة فقط، خرجت من العملية والشيء الوحيد الذي كنت أصرخ به أنني لا أرى، أريد غسل عيوني لأرجع النور وأرى والدي جانبي، في كل زيارة لهم أصرخ أنني لا أرى، إلى حين ساء الحال وكان لابد من مقابلة الدكتور ولكن أصبح يتهرب إلى بعد الشهرين من انتهاء العملية، واجه الدكتور أبي وخالي وقال لهما إن الورم تم استئصال نصفه، وبرر فعله بأن الورم لو استئصل كاملًا قد يقضي على حياتي.

خلال فترة التنويم
التنويم استمر أربعة أشهر ونصف الشهر، ومن خلاله أصبحت تحت علاجات طبيعية، لأن طول فترة التخدير تسبب بشلل بالعصب السابع وعضلات الوجه والجنب الأيسر كاملًا، ونتائجها النظر في العين اليمنى ظلام تام إلى اليوم، وأما اليسرى التي كان بها الشلل فهي التي أبصرت، وبعد سنوات من العلاج كان الظلام رفيقي للعينين لما يقارب الأربع سنوات، وأيضًا كنت أعاني عند الأكل والشرب بسبب ميلان الفم والخد الأيسر.

العالم الخارجي وتقبلهم الشكل
رغم أن نظرات الأطفال أو الأشخاص الأغراب الذين يشاهدونني لأول مرة تصيبني بالإحباط وتؤثر فيَّ نفسيًا، إلا أنني دائمًا ما أوكل أمري وإرادتي لله، فلحكمة من الله أصابني هذا المرض، وبه وعليه أتوكل، فأنا ما زلت على قيد الحياة لأستمر بذاتي وأحمد ربي على نعمه التي يرزقني بها وأتمم المسير.

شغف القراءة للمجالس والتأليف
بعد ما أصابني خلال فترة مرضي، وبعد أن انقلبت حياتي من شخص معافى، إلى شابة ذات وضع صحي وشكلي خاص، قررت أن أواجه واقعي المؤلم وألا أتهرب من مواجهة المجتمع، فقمت بوضع “عادة” في بيتنا، حيث خصصت يومي الإثنين والاربعاء، على الرغم من صغر المكان.

بدأت بعد ذلك في الكتابة وتأليف قصائد لمدح ورثاء أهل البيت “عليهم السلام”، بعدها توجهت لطباعة الكتب وبيع مؤلفاتي رغم صعوبة إمساك القلم وصعوبة النظر، ولكن حب الحسين كان محركي.

مؤلفات
ألفت كتاب رواية “التوسل بالخضر”، وغالبًا ما أقرأه في النجف لدى زيارتي، وحتى مع نذر الموالين أقرأه في مجلسي في منزل والدي، كما ألفت “وهج النورين” وهو أول الدواوين، كما أن لديَّ أربعة إصدارات أخرى مطبوعة، والإصدار الخامس قيد الإصدار، ولديَّ ديوان “الجروح الدامية” وتم طباعته وبيع نسخ منه، وآخر “جمر الحزن”، وأيضًا لديَّ “نفحات التوسل” بالأئمة، لكل ثلاثة أئمة، جمعتها في إصدار كتيب.

خادمة النورين
ختمت “المنصور” حديثها بقولها: “دائمًا أطلق على نفسي خادمة النورين، ويعود سبب التسمية إلى أن النور أصله فاطمة الزهراء والإمام علي “عليه السلام”، وجمعت النورين، فأنا خادمتهم عليهم وعلى آلهم السلام”.


error: المحتوي محمي