بسم الله الرحمٰن الرحيم
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون صدق الله العلي العظيم﴾ سورة يوسف.
القاعدة القائلة: “البينة (الشهادة العادلة التي تؤيِّد صدق دعوى المدعي) هي على المدعي واليمين (تأكيد الحالف لخبره بالقسم باسم الله) هي على من أنكر”. هذا يعني أنه إذا ما المُدَّعِي عجز عن إتيان البينة عندئذٍ الحاكم يحلف المُدَّعَى عليه.
أما في محكمة الله تعالى والتي تُمَثِّلُ العدل المطلق فالأدلةُ حاضرةٌ شاهدةٌ والجوارحُ مُقِّرَّةٌّ معترفةٌ بما ارتكبتْ واقترفت من أخطاءٍ.
هنالك أدلةٌّ قرآنيةٌّ على ذلك:-
فقد ورد في سورة الكهف الآية رقم 49: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
كما ورد في سورة النور آية 24: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وكذلك في سورة الإسراء آية 71: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾.
نرى هذه الأيام ومع الفضاء المفتوح صراعات كثيرة، قد يراها البعض بين الحق والباطل والبعض الآخر يراها من باب المناكفات الدينية المغلفة بالسياسة وآخر يظن أنها نابعة من حقد تمخض عن تراكمات الحسد الإنساني الى ما هنالك.
أيًّا كانت فهي تقع بين مُحِقٍّ يمتلكُ الأدلةُّ الواضحةُ للعيان وبين مخالفٌ له إما مشتبهًا أو جاهلًا أو معاندًا أو حاقدًا أو حاسدًا.
سوف نعتمد قضية خلافية بين طرفين الأول يَدَّعي أَنَّهُّ مُحِّقٌّ والآخر كذلك يَدَّعِّي أنه على حق.
هنا من منطلق العدل نطالب الأول بتقديم أدلته وشواهده على ما ادَّعى نطبقها على الواقع الحق وننظر في مدى صحتها من عدمه وإلا صارَ ادعائهُ باطلًا وقد قذف الطرف الآخر قذفًا صريحًا سوف يعاقب عليه إما دنيا أو آخرة أو كلاهما يعتمد على إرادة البارئ تعالى.
الكلمة الفصل بينهما تكون لله سبحانه وتعالى حيث هو ميزان العدل المطلق وحيث الضوابط الشرعية القطعية الصدور وتلك المتفق عليها عقلانيًا حيث لا تخالفُ نواميس الحياة الطبيعية ولا تؤثر على الكون نتيجة اعتبارها حقيقة ناصعة.
عندما يُقَدِّمُّ الأول أدلته وتكون واضحةٌ جليةٌ فيها اعترافات صريحة بما نُسِبَ لخصمه فكما يقال الاعتراف سيدُّ الأدلة. الآن نأتي نحن لمناقشة تلك الخلافات بعيدًا عن العصبية والفئوية والمصالح الضيقة خاصةً عندما يترتب على هذا الخلاف مفاسد مجتمعية.
أول خطوة مواجهة المُدَّعى عليه بهذه الأدلة قد ينكرُ صدورها منه حيثُ يبررُّ ذلك أنها مفبركةٌّ بطريقةٍ ما ومنسوبةٌ له. عنذئذٍ سوف نطالب الطرف المُدَّعي بتفنيد هذا وإثبات عكسه.
إِنْ أتى المُدَّعي بقرائن واضحة مقنعةٌ وتم التأكد من صحتها مُفَنِدَّةٌ لنكران المُدَّعى عليه فالحكم عندئذٍ لله تعالى يكون لصالح المُدَّعِّي.
أنا سقتُ هذا النُسُقْ من محور قضيةٍ افتراضية لكي نقف على حقائق بعض الأمور المحيطة بنا من هنا وهناك. علينا أن نضع نصب أعيننا عدالة الله تعالى المطلقة التي تنبثقُ من علمهِ المطلق بمجريات الأحداث بعيدًا عن الانتماءات الضيقة التي ستودي بنا إلى عقاب الله تعالى دنيا وآخرة. هذا اليوم الذي لن ينفعنا فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
هذا ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ سورة الحج آية رقم 2. ولكي لا ينطبق علينا قول الله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ سورة الحج آية رقم 3.وكذلك ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ سورة الحج آية رقم 4.
اللهم أَرِنا الحق حقًا فنتبعه وأرنا الباطل باطلًا فنتجنبه، ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾، سورة الأعراف آية رقم 178.