دين خام من أجل لوحة ناصعة

الإسلام علبة ممتلئة بأدوات الاستفهام. وخلف أسئلتي يختبئ الجانب الآخر من العبور، جسر شفاف لا أستطيع رؤيته إلا أنه إجباري المرور بادئًا من تقاطع الموت إلى ما أنا مضطر فيه لنزع غريزة التجربة والتحديق إلى غمضة التلقي والإنصات، هنا لعبة الغميضة الغيبية التي تعتمد على إرشاد الآخرين وعلى حواس غير الحواس البدائية المجربة، أن أقفز من السطح إلى لافتة العمق مستغنيًا عن كل الخرائط الاعتيادية.

أؤمن بالدين لأن الحياة قبل محطة الموت غير مؤهلة أن تبرر في ذهني العلة من كل هذا الخلق المعقد والمتعدد والدقيق والواسع، إذا كنت سأوصد الباب عن التتمة ببضع سنوات لا تشبع التطلعات ولا تلبي الطموحات فذلك مخيب للمتوقع. تبدو المعادلة غير مقنعة أحد طرفيها يشتمل على تعقيدات كثيرة تبدأ من جسدي الذي يبدو غير متناهي الاكتشاف والمسافة وصولًا إلى الكواكب والمجرات والقوانين والنظم التي لا تعد، كل هذا ثم أخرج من الحفلة الكونية الواسعة بموتتة واحدة وينقطع البث بشكل مفاجئ لا استئناف بعده! كأنني أعد أدوات المخيم لأبات ساعة واحدة، هذا غير عادل وغير مبرر.

لا أجد في هذا الختام الذي يفلسفه الماديون سببًا مقنعًا لكل هذا الوجود الضخم المسلح بالتفاصيل والنظم الدقيقة التي لم تعبث بأقل جزئية. الإسلام دين يلبي الكثير من طموح العقل ويفتح مساحة لاستلقاء الدماغ على تخت مفتوح الزوايا، قد يحتوي على بعض الطرق غير المعبدة تمامًا إلا أنه أفضل المتاح حسب ما هو معروض في أسواق الفلسفات المتعددة. ما زلت أحتاج إلى تفاصيل أكثر للحياة الثانية التي تعقلن وجود كل هذا الخلق المتسلسل بل وتعقلن الابتكار العظيم الذي يتميز به جسدي الأقرب إلي، نعم أحتاج لمرآة علمية أرى من خلالها كم أنا إبداع معقد، أنا مقتنع أنني إبداع متميز معقد، هذا الاقتناع يسوقني لعدم الرضا بنهاية وجودية متواضعة تقل عن مقدماتها الشاسعة.

استنتاج ذاتي مشبع بالطموحات الفطرية ربما يجعلني أرفض انتهاء المسلسل دون أن تلقم العوالم شهوة الاكتشاف والموعد التالي، من حقي أن أرفض الموت في حالة لم يجب أسئلتي الوجودية التي تبرر هذا العالم الكبير. الدين والإسلام بما يحمله من أهمية بالغة متصلة بأصل الوجود لهو أعظم بكثير من الرتوش التافهة التي يضيفها الناس إليه إشباعًا لرغباتهم في الهيمنة ولو على الدين نفسه، من حقي أن أرفض الممارسات المضافة التي تضحي بالنص وبالجاذبية الدينية إلى ممارسات انفعالية تشكل حاجبًا منفرًا، أحترم قدسية الدين في داخلي ولذلك أحمل له منصة نقدية ومحكمة ومحاماة ذاتية تنخله من أي شيء يصرف جمهوري الذاتي عنه خاصة إذا كان ذلك الشيء غير مؤصل بدليل بل منحوت من العادة، ومع ذلك فيراد له أن يذوب في أصل الدين ويصبح في كلمات قاموسه العظيم، سأظل حارسًا للوحة الخام، تلك التي أحتاجها ناصعة واضحة الرؤية رائعة التفاصيل صافية الألوان لكي أتمكن من السباحة في الغمض تلك السباحة التي أخرج منها مبتلًا بالأسئلة، دين أريده سلّمًا إلى ذروة الإجابات لا يمكن أن تسكنه الشوائب والحفر.


error: المحتوي محمي