ابتكار وتراث

عيش المحموص “رز محموس”؛ هوية ثقافية قطيفية فريدة، ارتبطت بمصاب الحسين، الذي أعطى تلك الهوية أبعادًا إيمانية عقائدية طقسها الإطعام.

المحموص دلالة وفعل إبداعي أثبته عمليًا التفكير القطيفي والبحراني في سابق اﻷزمان، متحايلًا على ضيق الحال؛ بابتكار تضاعف وتزايد مع اﻷيام بخلود وازدياد مجالس صاحب المصاب عليه السلام.

ريع اﻷوقاف النسبة الطاغية لتمويل اﻹطعام سابقًا، في حالات كثيرة لا يغطي شراء سلعتين بشكل كاف، إما العيش (الرز) أو اﻹدام، طبيعيًا وذوقًا ومزاجًا أحدهما يكمل الآخر؛ هنا تفتق الذهن بشراء الشحم الحيواني بكميات قليلة وحمص (حمس) البصل به بكميات كبيرة، ثم كبسه مع العيش لينتج وجبة دسمة شهية مشبعة ذات شكل وطابع حزين!

كان اﻹطعام حاجة ماسة وملحة وفرج لكثير من الناس، لم يكن ترفًا أو وجاهةً؛ بل ضرورة أوقفت ﻷجلها اﻷوقاف في وقت كان سد الرمق غاية المطلب والمنال.

التراث القطيفي غني بأوجه متعددة، مازال الكثير منها لم تسبر أغواره ومنه الطعام الذي يحتاج لمن يؤرخه ويدونه ويتجه لجهات حفظ الثقافة والتراث العالمي لتسجيله كإرث إنساني وحق فكري يُحمى ويصان؛ أين العالم من أصناف المحموص بأشكاله المتنوعة التي تخطف اﻷنظار واﻷلباب .

قطيفي يتردد على أمريكا لعلاج ابنه، يقول: بصفتي أجيد الطبخ دعوت الكادر الطبي المعالج وعدد من الطلبة المبتعثين، ضمن الطعام كان المحموص؛ فأكلوا بنهم حتى التخمة، أعددت كميات كبيرة فأخذوا معهم لذويهم وهم يرددون أنه طعام لم يأكلوا في حياتهم أشهى منه، وﻷنهم أكلوا معنا بأيديهم غسلوها فقط بالماء حتى تبقى الرائحة التي اعتبروها عطرية طيبة لا ينبغي محوها!

المحموص طقس؛ أضحى رمزًا يلامس اﻷفئدة قبل البطون في أيام الحزن الحسيني العاشورائي الخالد.


error: المحتوي محمي